سيد الأحجار السبعة
عابر الزمن الثالث
للمعنى ثلاثة أقانيم : المعنى الذاتي والمعنى الموضوعي والمعنى الإدراكينعم، غالبًا ما يستمد الشيء معناه من علاقته بما حوله، فيُختزل المعنى إلى سبب أو نتيجة، دون التوصل إلى إدراك معنى الشيء بذاته..
يمكن إدراك موضوع محدد بثلاثة طرق كل منها يوصل إلى وجه من وجوده الحقيقي (يعطي معنىً له).
إدراك الموضوع من حيث حضوره لمرايا الإدراك الذاتي وانفعال الأجهزة الرصدية به يكون على هيئة (مركّب من الانطباعات المادية) أو الحدوس الروحية أو الصور الذهنية، أو كل ذلك معاً، تماماً كمعنى الحموضة أو الأزرق أو الصوت العميق، وهذا المعنى يعطي "العلاقة بين ذات الموضوع وذات الوعي المراقب له" والعلاقة ليست هي ذات الموضوع.
في هذه الحالة يمكن إدراك الموضوع من دون إطار تأويلي يتم رده إليه، ومع ذلك حتى يحضر الموضوع على هيئة معطيات تفاعلية فلابد له من أن يكون موجوداً ضمن مجال وجودي له طبيعة معينة، فالمعطيات الروحية لا تحضر إلا في المجالات الروحية، والمعطيات المادية تحضر في مجال العالم المادي، وهناك تداخل بين المجالات الوجودية، مما يجعل إدراك الموضوع متعدد الأبعاد، فيمكن أن يمثل نفس الموضوع حدساً روحياً أو رائحة مادية (كما في حالة البخور وعطر العود والعنبر) ويمكن أن يمثل صورة ذهنية اعتماداً على الذاكرة والظروف.
"مجال وجود الموضوع" هو إطار للمعنى الموضوعي، إطار وجودي، لا يمكن حتى تفكيك الموضوع عنه دون أن يفقد وجوده، مثلاً، كما اكتشف كانط ذلك، الزمان والمكان يمثلان إطاراً للموضوعات المادية، ومن دونهما لا يمكن للموضوع المادي أن يكون، ولذلك هما أسبق من موضوع مادي محدد إلى الإدراك، مما يعني أنهما "معاني أولية-علم قَبلي" بحيث لا يمكن للعلم أن يقوم قبلهما، وكل معرفة تجريبية حسية تعتمد عليهما، وبينما يمكن أن يعلم الإدراك بوجود شخص اسمه "ترامب" (((يحكم))) أمريكا، أو ((بوجود)) البلاد العربية، فإنه لا يمكن أن يعلم بوجود الزمان والمكان، بل يستحيل أن لا يعلم بهما، أي أنهما يقتربان إلى (الإطار الكلاني للوجود) ويبتعدان عن التجربة المعيشية السردية.
يتمكن الإدراك من الحكم على الموضوع بالمادية أو اللامادية حين يتمكن من "إدراك معنى المادية كمجال" لا كانطباع حسي، وهنا نبدأ بالانتقال إلى "المعنى بذاته"، فما يعنيه المكان والزمان، يعتمد على "المكان والزمان" وليس على العلاقة بهما، إذ أن معنى المكان (والزمان) يمكن إدراكه ولا يمكن تصوره ذهنياً، فهو نوع من الحضور الخالص.
هذا هو "المعنى الذاتي" وعلى عكس المعنى الموضوعي المتمثل بتركيبة الانطباعات المشاهدة والتي (ينفعل) جهاز الرصد الذاتي لها، فإن المعنى الذاتي غير ناتج عن انفعال لأنه غير مؤطر بحدود العلاقة.
المعنى الذاتي هو الحقيقة الخالصة للكائن الموجود، والسؤال الذي يطرح نفسه ويطرحه جورج باركلي "هل المادة وجود له معنى ذاتي-مستقل عن انفعال الحواس" أو بالأحرى هل الوجود المستقل عن انفعال الحواس هو وجود مادي أم غير مادي ؟
إذا خرجنا من المجال الحسي ، هل سنشاهد أشياء لها ألوان أو أشكال أو روائح ؟
إذا خرج الوعي من المجال الحسي فقد خرج من طور الانفعال تجاه تأثير الموضوع عليه، وهذا يجعله متحرراً من العلاقة مع الموضوع، والانطباعات الحسية هي العلاقة مع الموضوع، وليست هي الموضوع، وهذا ما يجعل العالم المادي محصوراً في مجال الإدراك الذاتي.
أي، وأرجو التركيز بذلك من قبل شخص ما ... المادة خارج الحواس، ليس لها وجود.. ليس هناك اشكال محددة أو انطباعات محددة، التحديد ناتج عن العلاقة، خارج العلاقة لا يوجد زمكان محلي نسبي، وبالتالي لا يوجد "ذرات" أو جسيمات أولية أو أي شيء له أبعاد مكانية أو حتى زمانية.