لقد قلت لك : "هل تظن أنك بلغتَ منتهى المعاناة"
لم أحكم على معاناتك بأنها سخيفة - مع أن رأيي الشخصي أنها كذلك ولكني لم أقحمه بالموضوع - ولكن أسلوب التباكي والتذمر لن يجلب لك مزيداً من الحظ، هذا كل شيء...
وطرح الأخ كان نوعاً من التذمر... مع أنه نوع راقي أدبياً وفيه جمالية وأحاسيس، لكنه في النهاية أسلوب من الجدل العاطفي، هذا يجعل البحث فيه أمراً خارج نطاق المنطق والفلسفة والعلم.
الأخ يطلق نصاً من الاشعار الواصفة للتذمر والتألم بسبب الظُلم في العالم، وهذا يعني شيئين : يعني أولاً أنه "يُفترض أن يكون ضد الظلم وضد الشر" ويعني ثانياً أنه "لا يطرح أطروحة فلسفية وعلمية".
ولكن كلاماً عاطفياً وموضوعياً بنفس الوقت لا يمكن أن يصف الحق... لأن المعاناة نفسها هي مسألة ذاتية وليست موضوعية، ففي مرحلتها الموضوعية تكون شيئاً يختبره الجميع، أما وصفك لنفسك ولمعاناتك وذلك الشخص على النحو السابق وأنكما أعلى معاناة من الآخرين، فهذه أحكامك الشخصية، أنا لم أدعي أنك أقل معاناة ولا أكثر، ولكن المعاناة التي يختبرها جميع البشر، الذين تود إيصال الرسالة لهم، دائماً واحدة.
وإذا رأيت أنك تعاني أكثر من جميع خلق الله ولك الحق في التمرد على الوجود لأجل معاناتك وتتحول لشيطان مثلاً.
فلا بأس حينها أنت حر بقرارك، لكنه ليس برهاناً موضوعياً، إنه خبرتك الذاتية ... دليلك أنت وحدك، أما موضوعياً فالمعاناة هي المعاناة، لا تبرر شيئاً ولا تثبت شيئاً، والجميع يعاني، من ينكر وجود الله، ومن يؤمن بوجود الله.
وبالتالي ...
المعاناة نفسها من ناحية موضوعية لا تتخذ برهاناً فلسفياً، ومسألة الشرور لم تعتمد على شعورك بالمعاناة بل على موقع المعاناة في نظام الوجود.
أما من الناحية الذاتية، إيمانك ورغبتك بتغيير الشر وقتله، هو عين إيمانك بالله والحق والخير والقيم والفضيلة، لا يُنتج إنساناً عبثياً، ينتج إنساناً مسؤولاً وباحثاً لا تؤطره الحدود.