ع
عضو سابق - 759
زائر - عضو سابق
السلام عليكم جميعا.
✍ ننتقل الى الجزء الخامس من ترجمتي لكتاب سر الحياة للعالم الروسي لاخوفسكي
قراءة الأجزاء السابقة مهم لفهم تسلسل الفقرات.
المحور الثالث من الكتاب:
1- الإشعاع الكوني للكائنات الحية:
المبادئ الأساسية. - طبيعة إشعاع الكائنات الحية. - سراج الليل.
المبادئ الأساسية: نتيجة للعديد من التجارب والملاحظات التي قمت بها، يمكنني صياغة المبادئ الأربعة التالية:
1- كل الكائنات الحية ينبعث منها إشعاع.
2- معظم الكائنات الحية، مع استثناءات قليلة، قادرة على استقبال الموجات وإرسالها.
3- أي كائن طائر، أي قادر على التحليق والابتعاد عن الأرض (عصفور، حشرة ...) له قدرة كبيرة جدًا على إرسال واستقبال الموجات، في حين أن الحيوانات المرتبطة بطبيعتها بسطح الأرض لديها قدرة أقل على الإرسال والاستقبال.
4- إن تأثير ضوء الشمس على انتشار الأمواج له دور في تحديد نوع الطيور والحشرات، تكون قابليتها للاستقبال منفردة، كأن تسافر وتتغذى في الليل، بينما النوع الآخر، الذي يكون تقبلهم طبيعيًا، يحلقون بالنهار.
في الوقت الذي نجمع فيه جميع الظواهر الفيزيائية من خلال إشراك الطيف الكامل للموجات، يمكننا أن نعترف بشكل منطقي أنه ليس هناك ما هو أكثر طبيعي، من أن تتصرف بعض الحيوانات كمرسلات ومستقبلات للإشعاع. يبدو من الواضح تقريبًا أن معظم الحشرات والطيور تشع إشعاعًا، كما أنها حساسة لتأثير الموجات التي تمكنها من توجيه نفسها.
في جميع الحالات، يتم توجيه هذه الحيوانات من خلال حركة الأمواج، وهذا الاتجاه هو تلقائي. عندما وضعت نظريتي عام 1923، كانت مجموعة هذه المبادئ بالنسبة لي مجرد فرضيات معقولة. ولكن نتيجة كل التجارب والملاحظات التي قمت بها منذ ذلك الحين، ظهر لي صدق هذه الفرضية بأدلة ووضوح.
2- طبيعة إشعاع الكائنات الحية:
لفهم دور وطبيعة الإشعاعات المنبعثة من الكائنات الحية بشكل جيد، وجب علينا العودة بالزمن الى الوراء، واسترجاع تاريخ اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية. لم نكن قادرين على تخيل وجود مثل هذه الموجات حتى اليوم الذي وجد فيه جهاز يجعلها محسوسة لحواسنا. في الواقع، لا تؤثر موجات الراديو بشكل مباشر على أي من حواسنا. إن أفضل نجاح وشهرة لـ Hertz و Branly و Marconi والعديد من المختصين أو الهواة، هو على وجه التحديد إنشائهم لأجهزة قياس، بغض النظر عن كل النظريات حول طبيعة الإشعاع، الاجهزة تجعل هذه الموجات تدرك الأشياء بسهولة، حتى على مسافات بعيدة.
الاكتشافات الحديثة لأنواع معينة من الإشعاع: موجات الراديو، الأشعة السينية، النشاط الإشعاعي والموجات الكونية، رفعت بشكل طفيف حجاب الغموض الذي يخفي عن حواسنا نطاقات واسعة جدًا من الموجات التي لا يمكنهم رؤيتها مباشرة. لكن من يدري إذا لم نكن محاطين بعد بإشعاعات أخرى غير معروفة لنا، لأننا لا نملك الأجهزة القادرة على كشفها لحواسنا؟ إذا اعترفنا بأن الطيور تبعث وترسل إشعاعات غير معروفة لنا، فإن الكلمات الغريزة والحس الخاص التي نستخدمها لشرح بعض الظواهر تندثر مباشرة بعد معرفتنا للميكانزيم والمعنى الدقيق لكل الظواهر.
الإحساس بالاتجاه لدى الطيور والحيوانات بشكل عام. هو مثل السفينة المفقودة التي تسعى في الضباب إلى تحديد اتجاه المنارة الراديوية التي ترسلها موجات كهرومغناطيسية من خلال تحديد الاتجاه، لذلك تسعى الحيوانات والحشرات المعنية إلى جمع مختلف الإشعاعات المنبعثة من الكائنات الحية ومن النباتات التي تهمها، ثم يوجهون أنفسهم وفقًا للإرشادات المذكورة.
️ ولكن، ستعترضون بالقول: بهذه الطريقة سيتجعد الفضاء في جميع الاتجاهات بإشعاعات لا حصر لها؟ كيف سيتمكنون من تمييزها؟.
️ الجواب سهل: التمييز يمكن تحقيقه بسهولة بفضل تنوع الترددات التي تميز هذه الإشعاعات.
سنرى لاحقا. ما هو العضو الذي يسمح للحيوان بالتقاط هذه الموجات واكتشافها بجعلها محسوسة لحواسهم. إن قناعتي العميقة هي أن القنوات شبه الدائرية للأذن هي التي يكون سائلها حساسًا للمجال الكهرومغناطيسي، مما يسمح للحيوانات بالتأثر بالاهتزازات التي تبحث عنها.
من الممكن إجراء تحليل كامل لعمل القنوات نصف الدائرية من خلال دراسة طرق تكوينها في أنواع مختلفة من الكائنات الحية. لا تحتوي اللافقاريات على قنوات نصف دائرية، ولكن حويصلات غشائية تحل محلها ولها وظائف مماثلة. نستشهد بما لاحظه السيد Yves Delage في حالة الأخطبوط الذي لا يزال يسبح بانتظام رغم انه مصابًا بالعمى، ولكنه يبقى يدور حول محوره الطولي أو بالتناظرعندما يتم تدمير الحويصلات التي تسمح له بمعرفة اتجاهه.
نفس الشيء بعد تدمير المتاهتين، لم تعد الحيوانات المائية وخاصة الضفادع قادرة على السباحة أو القفز في خط مستقيم. لاحظ ذلك أيضا، عند الجلكيات (lamprey) وهو نوع من الأسماك البدائية، التي لها زوجان فقط من القنوات، يمكنها فقط التحرك في اتجاهين في الفضاء؛ وأن الفأران اليابانية، والتي يطلق عليها الفئران الراقصة، والتي لديها فقط القنوات الرأسية العلوية، يمكنهم التحرك في اتجاه واحد فقط، إلى اليمين أو اليسار، وغير قادرين على المشي بشكل مستقيم أو التحرك في الاتجاه الرأسي. هذه الحيوانات، كما أثبت E. de Cyon جيدًا، لا تعرف سوى فضاء أحادي البعد.
تمتلك معظم الفقاريات قنوات نصف دائرية موجهة في ثلاثة اتجاهات. لاحظ أنه بصرف النظر عن القنوات نصف الدائرية الثلاث بزوايا قائمة، يتم تمييز هذه الأعضاء بعناصر تتوافق مع الاحتياجات الخاصة لكل نوع. تحصل الأسماك على الجهد الكهربائي اللازم عن طريق فرك أجسامها بالمياه والتحرك باتجاه الأرض أو بعيدًا عنها. بنفس الطريقة تخضع الطيور للكهرباء الذاتية عن طريق احتكاك الأجنحة ضد الهواء وتغيير ارتفاع طيرانها (كما بيناه في الجزء السابق). تحتاج الثدييات التي لا يمكن أن تستفيد من أي من عمليات الكهربة الذاتية هذه، لالتقاط الأمواج، إلى إطار خاص يمكن توجيهه يتكون على وجه التحديد من ملحق حلزوني أو لولبي الممثل في حرف m.
هذه المجموعات المكونة من ثلاث قنوات بزوايا قائمة، والتي تشكل المتاهة، تكتمل بواسطة أعضاء متطورة بشكل أو بآخر: المتاهة واللولب. حيث أن الشكل الحلزوني شديد التطور عند الثدييات، فإنه يكاد ينعدم عند الأسماك والزواحف والطيور (شكل 4).
** القنوات نصف دائرية عند هدة كائنات حية من الفقريات: أ - عند الاسماك. ب- عند الطيور والزواحف. ج- عند الثديات**
من أين يأتي هذا الاختلاف في الخلق؟ وهل يجب اعتبار وجود اللولب عند الثدييات بسبب وجود معنى خاص لا تعرفه الطيور والأسماك؟ أعتقد أنه إذا تم فحصها من وجهة نظر نظريتي، فإن المشكلة لها تفسير بسيط للغاية وعام. لقد رأينا أن القنوات شبه الدائرية تعمل كنظام لتحديد الاتجاه، قادرة على توجيه نفسها وفقًا لاتجاه الموجات التي تلتقطها. فيما يتعلق بالأسماك والطيور التي تتحرك في فضاء ثلاثي الأبعاد، يتم تسهيل التقاط الأمواج، كما أوضحناه، من خلال الكهربة الذاتية (self-electrification) الناتجة إما عن تحليق هذه الحيوانات على ارتفاعات في المجال الكهربائي الأرضي، أو عن طريق احتكاك أجسادهم ضد الهواء أو ضد الماء. لكن الثدييات، لا تتمتع بهذه الامتيازات وتخضع للتحرك بحكمة شديدة في فضاء ثنائي الأبعاد على سطح الأرض، تحتاج إلى عضو مساعد لالتقاط الموجات التي تغذي قنوات تحديد الاتجاه. هذا هو بالضبط دور اللولب، وهو جامع الموجات، غير مغلق، قابل للتعديل، ملفوف على شكل إطار مسطح إلى حد ما ومليء بسائل موصل.
سيطلب القارئ بحقه بشرح كامل ولن يتوانى عن سؤالنا: والزواحف؟ لماذا عدم قدرتها على التحرك بالعمق أو التحليق والارتفاع، لا يجعلها مثل الثدييات ؟ ولماذا تفتقر إلى إطار حلزوني؟ الإجابة سهلة لأي شخص سبق له أن لاحظ تحركات الزواحف. إذا كانت لك الفرصة في يوم حار لمقابلة ثعبان عشبي، على سبيل المثال، ستلاحظ أنه في حالة من الراحة، يتم لف جسمه الطويل المفصلي على نفسه قليلاً مثل الشكل اللولبي المسطح. هذه الحالة الواضحة من الراحة أو النوم، حيث يبدو أن الثعبان وكانه ميت أو مرمي، هو في الواقع في حالة اللاوعي من اليقظة. الثعبان يراقب: اللولب المتناغم لجسمه هو إطار استقبال صغير يعوضه إلى حد كبير عن عدم وجود لولب في متاهة القنوات شبه الدائرية. وسواء كانت بومة، نسر أو أي طائر نهاري آخر يحاول أن يقترب من ثعبان أو ضفدع شجرة بري، سيكون فريسة سهلة للغاية ، هذا المجمع الموجي، الذي شكله جسمه، سيبلغ الثعبان على الفور فريسته والذي يمكنه من الاستعداد حسب الحالة، للهجوم أو الفرار. وهذا ما يثبت أهمية الاطار الحلزوني القابل للتعديل لالتقاط الأمواج. وهكذا يتم التأكيد مرة أخرى على ان الطبيعة لا تفعل شيئًا دون سبب وبطريقة عشوائية أو الحفاظ على عضو عديم الفائدة.
ماذا ستكون عليه هذه الإشعاعات المنبعثة من الكائنات الحية؟ هي مثل كل الإشعاعات الأخرى المعروفة، سوف تتميز بطول موجتها. لذلك نحن الآن قادرين على البحث عن مجال الأطوال الموجية التي تظهر بها هاته الإشعاعات.
3- سراج الليل: the glow worm
دعونا نظهر أولاً، من خلال مثال ملموس، أنه سيكون من العبث أن ننكر، من حيث المبدأ، أن الكائنات الحية تصدر إشعاعات. من الواضح أن هذا الإنكار عبث، لأن الحقائق تتعارض معه رسميًا. ليس من الضروري بالنسبة لنا أن نبذل جهدًا كبيرًا لتذكر الحشرة التي تصدر موجات ضوئية. لقد كانت إشعاعات هذه الحشرة مؤخرًا موضوع دراسات تدعو للفضول: أعني بذلك حشرة سراج الليل.
وبالتالي، لماذا ينكر المرء ذلك، هي حقيقة نعرفها جميعًا، وعلاوة على ذلك، قمت فقط بتعميم هذه الحالة الخاصة وتوسيعها لتشمل جميع الأنواع الحية. ما هي دودة سراج الليل؟ حشرة تظل مضيئة بشكل أو بآخر باستمرار. أثبتت التجربة، من خلال الملاحظة المباشرة، أن بيض هذه الدودة مضيئ تلقائيًا، وأن هذا الضوء ينتقل باستمرار من جيل إلى جيل. تحتوي هاته الشعلة على كل رمزية الحياة. إذن ما هو إشعاع هاته الدودة ؟ لا شيء سوى إشعاع ضوء عادي، ولكن يتم تصفيته وفقًا لطيف ضوئي خاص تم إبرازه بواسطة spec-troscope. واذا لاحظنا توهج هاته الدودة، فذلك لأنه إشعاع مضيء، قادم من الخلايا التي تهتز فيها جزيئات معينة بنفس تردد هذا الضوء، يمكننا التقاطها مباشرة لأنها تؤثر على حاسة بصرنا.
لماذا إذن منح لهاته الحشرة إمكانية إصدار إشعاع، في هذه الحالة إشعاع ضوئي، ولماذا لا تسلك الحشرات الأخرى نفس السلوك ؟، هذا لانها تصدر هي الاخرى إشعاعات أخرى خارج نطاق اهتزازات الضوء، وبالتالي خارج مجال حواسنا. الآن، نحن نعلم أن حقيقة إصدار الإشعاع هي خاصية عالمية للمادة الحية، تمامًا كما يبدو أكثر فأكثر أن النشاط الإشعاعي هو خاصية عالمية للمادة غير الحية. إليكم ما كتبه البروفيسور Raphaël Dubois من كلية العلوم في Lyon حول هذا الموضوع، في مقدمة كتابه المثير للاهتمام: الحياة والنور:
"لذلك ولا في وقت، حتى قبل الإخصاب، نرى انطفاء نور الدودة المضيئة. يوجد في البويضة، في البويضة المخصبة، في اليرقة وفي جميع مراحل التحول، في الحورية والحشرة. أبدا ومنذ ظهور حشرة سراج الليل، شعلة الحياة هانه لم تنطفئ ولو للحظة"
ويقارن شعلة الأسلاف الخالدة هاته بنيران فيستال القديمة. سأذكر أيضًا حكاية شخصية توضح أن نظريتي يمكن أن تكون مألوفة لكثير من الناس ومفهومة، حتى للأطفال. ابني Serge، والذي كان مهتمًا كثيرا بالعلوم على الرغم من أنه لم يكن يتجاوز 11 عمره، كثيرًا ماكان يسمعني أتحدث عن الحيوانات والحشرات على وجه الخصوص وغريزتهم الخاصة، وبشكل عام، نظريتي عن الإشعاع من الكائنات الحية. في أحد الأيام قال لي بصراحة: "قل لي يا أبي، هل تعرف أن القطة التي تشع عيونها في الليل، أن الخلايا التي في عينيها تهتز بنفس تردد الضوء؟" يجب أن أعترف بأنني اندهشت وأن هذا التأمل فاجأني حقا. من الواضح أن ابني لم يكن يعرف ما هو الضوء والكهرباء، لكن المقارنة البديهية جعلته يبدو وكأنه تشبيه. كنت سعيدًا جدًا بهذه الملاحظة.
قد يتساءل المرء من أين تأتي الطاقة اللازمة للإشعاع. يشرح البروفيسور Dubois في هذا السياق من وجهة نظر إشعاع الضوء في هذا الكتاب الرائع. والذي نوصي بقراءته. سنرى لاحقًا كيف يمكن الإجابة على السؤال المطروح بشكل عام ولمجموعة الكائنات الحية التي تحدثنا عنها للتو.
يبدو على أي حال أنه لا يمكن لأحد أن ينكر للكائنات الحية الأخرى ما يوجد على وجه الخصوص عند لدودة سراج الليل. جميع الخصائص المشعة للكائنات الحية لا تندرج ضمن مجال حواسنا الصغير بالنسبة لمجال الإشعاعات الكهرومغناطيسية في مجملها. لذلك دعونا نتذكر بتواضع أن كياننا ليس لديه سوى نوافذ صغيرة جدًا تفتح على النطاق اللامتناهي لمحيط الإشعاعات. بالكاد تكشف لنا العين والأذن عن بضعة أوكتافات مباشرة. يجب أن يرشدنا القليل الذي نعرفه عن إشعاعات الكائنات الحية في البحث عن هذه الإشعاعات. لقد تذكرنا للتو الاشعاع لدى الديدان المتوهجة (سراج اليل) والتي وبشكل مثير للاهتمام، ينبعث منها ضوءًا باردًا تقريبًا. هل من الضروري القول أن جميع الحيوانات عند درجة حرارة عادية ثابتة وفوق درجة حرارة الغرفة، تنبعث منها إشعاعات حرارية.
قبل تعميم نظريتي وقبل تحديد مصدر الطاقة، من الضروري القول بضع كلمات عن الإشعاعات بشكل عام، وبشكل خاص عن الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي هي الأكثر شهرة لجميع العلوم الحديثة. إنها أساس أهم الظواهر التي كشفتها لنا الفيزياء. بينما تنتشر الموجات الصوتية بمشقة وفقط من خلال المادة، تمر الموجات الكهرومغناطيسية عبر أصغر المساحات على جناح الأثير. من بينها موجات الراديو وموجات الحرارة وموجات الضوء والموجات الشعاعية والأشعة السينية وجميع الأشعة المخترقة (الموجات الكونية).
المحور الرابع من الكتاب:
على الإشعاع بشكل عام وعلى الموجات الكهرومغناطيسية بشكل خاص:
طبيعة وخصائص الإشعاعات المعروفة. - موجات كهرومغناطيسية. - دور الحث الذاتي (self induction) والسعة. - الحلقة المتذبذبة. - الفترة المناسبة والرنين. - تحليلات إيضاحية للتذبذبات الكهربائية. - موجات قصيرة جدا.
..... يتبع في الجزء القادم
✍ ننتقل الى الجزء الخامس من ترجمتي لكتاب سر الحياة للعالم الروسي لاخوفسكي
قراءة الأجزاء السابقة مهم لفهم تسلسل الفقرات.
المحور الثالث من الكتاب:
1- الإشعاع الكوني للكائنات الحية:
المبادئ الأساسية. - طبيعة إشعاع الكائنات الحية. - سراج الليل.
المبادئ الأساسية: نتيجة للعديد من التجارب والملاحظات التي قمت بها، يمكنني صياغة المبادئ الأربعة التالية:
1- كل الكائنات الحية ينبعث منها إشعاع.
2- معظم الكائنات الحية، مع استثناءات قليلة، قادرة على استقبال الموجات وإرسالها.
3- أي كائن طائر، أي قادر على التحليق والابتعاد عن الأرض (عصفور، حشرة ...) له قدرة كبيرة جدًا على إرسال واستقبال الموجات، في حين أن الحيوانات المرتبطة بطبيعتها بسطح الأرض لديها قدرة أقل على الإرسال والاستقبال.
4- إن تأثير ضوء الشمس على انتشار الأمواج له دور في تحديد نوع الطيور والحشرات، تكون قابليتها للاستقبال منفردة، كأن تسافر وتتغذى في الليل، بينما النوع الآخر، الذي يكون تقبلهم طبيعيًا، يحلقون بالنهار.
في الوقت الذي نجمع فيه جميع الظواهر الفيزيائية من خلال إشراك الطيف الكامل للموجات، يمكننا أن نعترف بشكل منطقي أنه ليس هناك ما هو أكثر طبيعي، من أن تتصرف بعض الحيوانات كمرسلات ومستقبلات للإشعاع. يبدو من الواضح تقريبًا أن معظم الحشرات والطيور تشع إشعاعًا، كما أنها حساسة لتأثير الموجات التي تمكنها من توجيه نفسها.
في جميع الحالات، يتم توجيه هذه الحيوانات من خلال حركة الأمواج، وهذا الاتجاه هو تلقائي. عندما وضعت نظريتي عام 1923، كانت مجموعة هذه المبادئ بالنسبة لي مجرد فرضيات معقولة. ولكن نتيجة كل التجارب والملاحظات التي قمت بها منذ ذلك الحين، ظهر لي صدق هذه الفرضية بأدلة ووضوح.
2- طبيعة إشعاع الكائنات الحية:
لفهم دور وطبيعة الإشعاعات المنبعثة من الكائنات الحية بشكل جيد، وجب علينا العودة بالزمن الى الوراء، واسترجاع تاريخ اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية. لم نكن قادرين على تخيل وجود مثل هذه الموجات حتى اليوم الذي وجد فيه جهاز يجعلها محسوسة لحواسنا. في الواقع، لا تؤثر موجات الراديو بشكل مباشر على أي من حواسنا. إن أفضل نجاح وشهرة لـ Hertz و Branly و Marconi والعديد من المختصين أو الهواة، هو على وجه التحديد إنشائهم لأجهزة قياس، بغض النظر عن كل النظريات حول طبيعة الإشعاع، الاجهزة تجعل هذه الموجات تدرك الأشياء بسهولة، حتى على مسافات بعيدة.
الاكتشافات الحديثة لأنواع معينة من الإشعاع: موجات الراديو، الأشعة السينية، النشاط الإشعاعي والموجات الكونية، رفعت بشكل طفيف حجاب الغموض الذي يخفي عن حواسنا نطاقات واسعة جدًا من الموجات التي لا يمكنهم رؤيتها مباشرة. لكن من يدري إذا لم نكن محاطين بعد بإشعاعات أخرى غير معروفة لنا، لأننا لا نملك الأجهزة القادرة على كشفها لحواسنا؟ إذا اعترفنا بأن الطيور تبعث وترسل إشعاعات غير معروفة لنا، فإن الكلمات الغريزة والحس الخاص التي نستخدمها لشرح بعض الظواهر تندثر مباشرة بعد معرفتنا للميكانزيم والمعنى الدقيق لكل الظواهر.
الإحساس بالاتجاه لدى الطيور والحيوانات بشكل عام. هو مثل السفينة المفقودة التي تسعى في الضباب إلى تحديد اتجاه المنارة الراديوية التي ترسلها موجات كهرومغناطيسية من خلال تحديد الاتجاه، لذلك تسعى الحيوانات والحشرات المعنية إلى جمع مختلف الإشعاعات المنبعثة من الكائنات الحية ومن النباتات التي تهمها، ثم يوجهون أنفسهم وفقًا للإرشادات المذكورة.
️ ولكن، ستعترضون بالقول: بهذه الطريقة سيتجعد الفضاء في جميع الاتجاهات بإشعاعات لا حصر لها؟ كيف سيتمكنون من تمييزها؟.
️ الجواب سهل: التمييز يمكن تحقيقه بسهولة بفضل تنوع الترددات التي تميز هذه الإشعاعات.
سنرى لاحقا. ما هو العضو الذي يسمح للحيوان بالتقاط هذه الموجات واكتشافها بجعلها محسوسة لحواسهم. إن قناعتي العميقة هي أن القنوات شبه الدائرية للأذن هي التي يكون سائلها حساسًا للمجال الكهرومغناطيسي، مما يسمح للحيوانات بالتأثر بالاهتزازات التي تبحث عنها.
من الممكن إجراء تحليل كامل لعمل القنوات نصف الدائرية من خلال دراسة طرق تكوينها في أنواع مختلفة من الكائنات الحية. لا تحتوي اللافقاريات على قنوات نصف دائرية، ولكن حويصلات غشائية تحل محلها ولها وظائف مماثلة. نستشهد بما لاحظه السيد Yves Delage في حالة الأخطبوط الذي لا يزال يسبح بانتظام رغم انه مصابًا بالعمى، ولكنه يبقى يدور حول محوره الطولي أو بالتناظرعندما يتم تدمير الحويصلات التي تسمح له بمعرفة اتجاهه.
نفس الشيء بعد تدمير المتاهتين، لم تعد الحيوانات المائية وخاصة الضفادع قادرة على السباحة أو القفز في خط مستقيم. لاحظ ذلك أيضا، عند الجلكيات (lamprey) وهو نوع من الأسماك البدائية، التي لها زوجان فقط من القنوات، يمكنها فقط التحرك في اتجاهين في الفضاء؛ وأن الفأران اليابانية، والتي يطلق عليها الفئران الراقصة، والتي لديها فقط القنوات الرأسية العلوية، يمكنهم التحرك في اتجاه واحد فقط، إلى اليمين أو اليسار، وغير قادرين على المشي بشكل مستقيم أو التحرك في الاتجاه الرأسي. هذه الحيوانات، كما أثبت E. de Cyon جيدًا، لا تعرف سوى فضاء أحادي البعد.
تمتلك معظم الفقاريات قنوات نصف دائرية موجهة في ثلاثة اتجاهات. لاحظ أنه بصرف النظر عن القنوات نصف الدائرية الثلاث بزوايا قائمة، يتم تمييز هذه الأعضاء بعناصر تتوافق مع الاحتياجات الخاصة لكل نوع. تحصل الأسماك على الجهد الكهربائي اللازم عن طريق فرك أجسامها بالمياه والتحرك باتجاه الأرض أو بعيدًا عنها. بنفس الطريقة تخضع الطيور للكهرباء الذاتية عن طريق احتكاك الأجنحة ضد الهواء وتغيير ارتفاع طيرانها (كما بيناه في الجزء السابق). تحتاج الثدييات التي لا يمكن أن تستفيد من أي من عمليات الكهربة الذاتية هذه، لالتقاط الأمواج، إلى إطار خاص يمكن توجيهه يتكون على وجه التحديد من ملحق حلزوني أو لولبي الممثل في حرف m.
هذه المجموعات المكونة من ثلاث قنوات بزوايا قائمة، والتي تشكل المتاهة، تكتمل بواسطة أعضاء متطورة بشكل أو بآخر: المتاهة واللولب. حيث أن الشكل الحلزوني شديد التطور عند الثدييات، فإنه يكاد ينعدم عند الأسماك والزواحف والطيور (شكل 4).
** القنوات نصف دائرية عند هدة كائنات حية من الفقريات: أ - عند الاسماك. ب- عند الطيور والزواحف. ج- عند الثديات**
من أين يأتي هذا الاختلاف في الخلق؟ وهل يجب اعتبار وجود اللولب عند الثدييات بسبب وجود معنى خاص لا تعرفه الطيور والأسماك؟ أعتقد أنه إذا تم فحصها من وجهة نظر نظريتي، فإن المشكلة لها تفسير بسيط للغاية وعام. لقد رأينا أن القنوات شبه الدائرية تعمل كنظام لتحديد الاتجاه، قادرة على توجيه نفسها وفقًا لاتجاه الموجات التي تلتقطها. فيما يتعلق بالأسماك والطيور التي تتحرك في فضاء ثلاثي الأبعاد، يتم تسهيل التقاط الأمواج، كما أوضحناه، من خلال الكهربة الذاتية (self-electrification) الناتجة إما عن تحليق هذه الحيوانات على ارتفاعات في المجال الكهربائي الأرضي، أو عن طريق احتكاك أجسادهم ضد الهواء أو ضد الماء. لكن الثدييات، لا تتمتع بهذه الامتيازات وتخضع للتحرك بحكمة شديدة في فضاء ثنائي الأبعاد على سطح الأرض، تحتاج إلى عضو مساعد لالتقاط الموجات التي تغذي قنوات تحديد الاتجاه. هذا هو بالضبط دور اللولب، وهو جامع الموجات، غير مغلق، قابل للتعديل، ملفوف على شكل إطار مسطح إلى حد ما ومليء بسائل موصل.
سيطلب القارئ بحقه بشرح كامل ولن يتوانى عن سؤالنا: والزواحف؟ لماذا عدم قدرتها على التحرك بالعمق أو التحليق والارتفاع، لا يجعلها مثل الثدييات ؟ ولماذا تفتقر إلى إطار حلزوني؟ الإجابة سهلة لأي شخص سبق له أن لاحظ تحركات الزواحف. إذا كانت لك الفرصة في يوم حار لمقابلة ثعبان عشبي، على سبيل المثال، ستلاحظ أنه في حالة من الراحة، يتم لف جسمه الطويل المفصلي على نفسه قليلاً مثل الشكل اللولبي المسطح. هذه الحالة الواضحة من الراحة أو النوم، حيث يبدو أن الثعبان وكانه ميت أو مرمي، هو في الواقع في حالة اللاوعي من اليقظة. الثعبان يراقب: اللولب المتناغم لجسمه هو إطار استقبال صغير يعوضه إلى حد كبير عن عدم وجود لولب في متاهة القنوات شبه الدائرية. وسواء كانت بومة، نسر أو أي طائر نهاري آخر يحاول أن يقترب من ثعبان أو ضفدع شجرة بري، سيكون فريسة سهلة للغاية ، هذا المجمع الموجي، الذي شكله جسمه، سيبلغ الثعبان على الفور فريسته والذي يمكنه من الاستعداد حسب الحالة، للهجوم أو الفرار. وهذا ما يثبت أهمية الاطار الحلزوني القابل للتعديل لالتقاط الأمواج. وهكذا يتم التأكيد مرة أخرى على ان الطبيعة لا تفعل شيئًا دون سبب وبطريقة عشوائية أو الحفاظ على عضو عديم الفائدة.
ماذا ستكون عليه هذه الإشعاعات المنبعثة من الكائنات الحية؟ هي مثل كل الإشعاعات الأخرى المعروفة، سوف تتميز بطول موجتها. لذلك نحن الآن قادرين على البحث عن مجال الأطوال الموجية التي تظهر بها هاته الإشعاعات.
3- سراج الليل: the glow worm
دعونا نظهر أولاً، من خلال مثال ملموس، أنه سيكون من العبث أن ننكر، من حيث المبدأ، أن الكائنات الحية تصدر إشعاعات. من الواضح أن هذا الإنكار عبث، لأن الحقائق تتعارض معه رسميًا. ليس من الضروري بالنسبة لنا أن نبذل جهدًا كبيرًا لتذكر الحشرة التي تصدر موجات ضوئية. لقد كانت إشعاعات هذه الحشرة مؤخرًا موضوع دراسات تدعو للفضول: أعني بذلك حشرة سراج الليل.
وبالتالي، لماذا ينكر المرء ذلك، هي حقيقة نعرفها جميعًا، وعلاوة على ذلك، قمت فقط بتعميم هذه الحالة الخاصة وتوسيعها لتشمل جميع الأنواع الحية. ما هي دودة سراج الليل؟ حشرة تظل مضيئة بشكل أو بآخر باستمرار. أثبتت التجربة، من خلال الملاحظة المباشرة، أن بيض هذه الدودة مضيئ تلقائيًا، وأن هذا الضوء ينتقل باستمرار من جيل إلى جيل. تحتوي هاته الشعلة على كل رمزية الحياة. إذن ما هو إشعاع هاته الدودة ؟ لا شيء سوى إشعاع ضوء عادي، ولكن يتم تصفيته وفقًا لطيف ضوئي خاص تم إبرازه بواسطة spec-troscope. واذا لاحظنا توهج هاته الدودة، فذلك لأنه إشعاع مضيء، قادم من الخلايا التي تهتز فيها جزيئات معينة بنفس تردد هذا الضوء، يمكننا التقاطها مباشرة لأنها تؤثر على حاسة بصرنا.
لماذا إذن منح لهاته الحشرة إمكانية إصدار إشعاع، في هذه الحالة إشعاع ضوئي، ولماذا لا تسلك الحشرات الأخرى نفس السلوك ؟، هذا لانها تصدر هي الاخرى إشعاعات أخرى خارج نطاق اهتزازات الضوء، وبالتالي خارج مجال حواسنا. الآن، نحن نعلم أن حقيقة إصدار الإشعاع هي خاصية عالمية للمادة الحية، تمامًا كما يبدو أكثر فأكثر أن النشاط الإشعاعي هو خاصية عالمية للمادة غير الحية. إليكم ما كتبه البروفيسور Raphaël Dubois من كلية العلوم في Lyon حول هذا الموضوع، في مقدمة كتابه المثير للاهتمام: الحياة والنور:
"لذلك ولا في وقت، حتى قبل الإخصاب، نرى انطفاء نور الدودة المضيئة. يوجد في البويضة، في البويضة المخصبة، في اليرقة وفي جميع مراحل التحول، في الحورية والحشرة. أبدا ومنذ ظهور حشرة سراج الليل، شعلة الحياة هانه لم تنطفئ ولو للحظة"
ويقارن شعلة الأسلاف الخالدة هاته بنيران فيستال القديمة. سأذكر أيضًا حكاية شخصية توضح أن نظريتي يمكن أن تكون مألوفة لكثير من الناس ومفهومة، حتى للأطفال. ابني Serge، والذي كان مهتمًا كثيرا بالعلوم على الرغم من أنه لم يكن يتجاوز 11 عمره، كثيرًا ماكان يسمعني أتحدث عن الحيوانات والحشرات على وجه الخصوص وغريزتهم الخاصة، وبشكل عام، نظريتي عن الإشعاع من الكائنات الحية. في أحد الأيام قال لي بصراحة: "قل لي يا أبي، هل تعرف أن القطة التي تشع عيونها في الليل، أن الخلايا التي في عينيها تهتز بنفس تردد الضوء؟" يجب أن أعترف بأنني اندهشت وأن هذا التأمل فاجأني حقا. من الواضح أن ابني لم يكن يعرف ما هو الضوء والكهرباء، لكن المقارنة البديهية جعلته يبدو وكأنه تشبيه. كنت سعيدًا جدًا بهذه الملاحظة.
قد يتساءل المرء من أين تأتي الطاقة اللازمة للإشعاع. يشرح البروفيسور Dubois في هذا السياق من وجهة نظر إشعاع الضوء في هذا الكتاب الرائع. والذي نوصي بقراءته. سنرى لاحقًا كيف يمكن الإجابة على السؤال المطروح بشكل عام ولمجموعة الكائنات الحية التي تحدثنا عنها للتو.
يبدو على أي حال أنه لا يمكن لأحد أن ينكر للكائنات الحية الأخرى ما يوجد على وجه الخصوص عند لدودة سراج الليل. جميع الخصائص المشعة للكائنات الحية لا تندرج ضمن مجال حواسنا الصغير بالنسبة لمجال الإشعاعات الكهرومغناطيسية في مجملها. لذلك دعونا نتذكر بتواضع أن كياننا ليس لديه سوى نوافذ صغيرة جدًا تفتح على النطاق اللامتناهي لمحيط الإشعاعات. بالكاد تكشف لنا العين والأذن عن بضعة أوكتافات مباشرة. يجب أن يرشدنا القليل الذي نعرفه عن إشعاعات الكائنات الحية في البحث عن هذه الإشعاعات. لقد تذكرنا للتو الاشعاع لدى الديدان المتوهجة (سراج اليل) والتي وبشكل مثير للاهتمام، ينبعث منها ضوءًا باردًا تقريبًا. هل من الضروري القول أن جميع الحيوانات عند درجة حرارة عادية ثابتة وفوق درجة حرارة الغرفة، تنبعث منها إشعاعات حرارية.
قبل تعميم نظريتي وقبل تحديد مصدر الطاقة، من الضروري القول بضع كلمات عن الإشعاعات بشكل عام، وبشكل خاص عن الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي هي الأكثر شهرة لجميع العلوم الحديثة. إنها أساس أهم الظواهر التي كشفتها لنا الفيزياء. بينما تنتشر الموجات الصوتية بمشقة وفقط من خلال المادة، تمر الموجات الكهرومغناطيسية عبر أصغر المساحات على جناح الأثير. من بينها موجات الراديو وموجات الحرارة وموجات الضوء والموجات الشعاعية والأشعة السينية وجميع الأشعة المخترقة (الموجات الكونية).
المحور الرابع من الكتاب:
على الإشعاع بشكل عام وعلى الموجات الكهرومغناطيسية بشكل خاص:
طبيعة وخصائص الإشعاعات المعروفة. - موجات كهرومغناطيسية. - دور الحث الذاتي (self induction) والسعة. - الحلقة المتذبذبة. - الفترة المناسبة والرنين. - تحليلات إيضاحية للتذبذبات الكهربائية. - موجات قصيرة جدا.
..... يتبع في الجزء القادم
************************************************
التعديل الأخير بواسطة المشرف: