سيد الأحجار السبعة
عابر الزمن الثالث
- المشاركات
- 883
- مستوى التفاعل
- 1,661
[1] مستويات الوجود المادي الثلاث :
ثلاثة مستويات للوجود الذي أمامك الآن ...
1. أولها هو المستوى المادي الدنيوي للوجود : وهو الظاهر المرئي مادياً من هذا العالم بكل ما يحتويه ... تلاحظ في هذا المستوى أن زمن الأحداث المادية الظاهرة للعيان محلي ومحدد تماماً ، وقائم على الاحتمالات، فترى كل حدث منفرد الوجود بنفسه دون بقية الأحداث، ولا مجال لرصد كافة الأحداث في سلسلة زمنية معينة بنفس التوقيت، فحين ترصد عبور الشمس من المشرق إلى المغرب ستراه يمر بمراحل وكل مرحلة تستلزم زوال ما قبلها لتحل محلها، ومن هنا ينشأ الإحساس بالسببية المادية.
لا وجود لحدث مُطلق في العالم المادي، ذلك الحدث الذي يخرج عن إطار إحداثيات الزمكان المحلي "هنا والآن" على أرض تنتمي إلى بيئة مادية .
الزمن هنا في هذا الوجود مقسم لمسارات للأحداث الزمنية، وكل مسار زمني مستقل عن بقية المسارات من حيث مروره وتكوين أحداثه، وكل مسار زمني يحقق احتمالات خاصة تتغير مع تغير هذا المسار، فما سيحققه سفر إنسان إلى بلد ما سيكون مختلفاً عن ما سيحققه بقاؤه ، وما سيحققه تعلم صنعة أو حرفة لن يحققه تعلم حرفة أخرى ، وانتصار النازيين في الماضي له أن يغير ظاهر الزمن الحالي بالنسبة لك.
2. المستوى العقلي السماوي للوجود : الذي يحتوي تصاميم الزمن الهندسية، فكما ترى ... الزمن يحقق غاية معينة وأحداثاً مختلفة في كل مسار بحيث تنتج ظاهرة مختلفة فيزيائياً بعلاقاتها وتكوينها في كل مسار ، ولكل زمن قيم فيزيائية مختلفة عن بقية المسارات ولكل حدث كذلك قيمه وعلاقاته، بحيث أن المسارات محددة تحديداً مسبقاً من حيث النتائج الممكنة.
رغم أن الأحداث والاحتمالات لانهائية في كامل الزمن ، إلا أن لكل حدث أو مسار خريطة زمنية خاصة لا يمكن تغييرها ، وهذه الخريطة الزمنية تعطي للمسار علاقات زمنية واحتمالات تحقق واقعية معينة لا تعطيها بقية الأزمنة.
ربما كلمة المسار جديدة عليك، الحقيقة أنه ما من داع لتتعامل مع الزمن على أنه وحدة متواقتة الحدوث، فما يحدث على الأرض له خط معين، لكنه لا يؤثر على ما يحدث في مجرة أخرى أو كوكب مختلف، وحياتك الشخصية لها زمن لا يشكل وحدة مع بقية الحيوات على الكوكب، ولكنه عوض ذلك يتفاعل معها ونتيجة هذا التفاعل تبدو أحياناً متواقتة، وهذا معنى أساسي في النسبية في الفيزياء.
لذلك حين أقول لك مسار، ذلك يعني أنني أتحدث عن خط زمني للأحداث بما هو كذلك، مستقل عن باقي الخطوط الزمنية لكائنات وأحداث مختلفة، كما هو الحال في حركة الأرض، التي لها علاقاتها الفلكية والفيزيائية المستقلة عن مسار حركة السيارة من مدينة لأخرى.
وبما أن الزمن مقسم لمسارات وكل مسار له تكوينه الخاص الذي لا يخرج عنه ، فهذا يشير إلى "الهُوية" الخاصة بالأحداث، أي أن الأحداث تحمل معنىً معيناً مختلفاً عن أحداث أخرى والمسار يحمل مجموعة تعريف خاصة لها معاني مستقلة عن أي مسار من نوع مختلف، فمسار حركة الأرض حول الشمس له قيم فيزيائية تسمح للأرض بتعاقبات الليل والنهار، وهذا مختلف عن مسار حركة القمر حول الأرض، القيم الفيزيائية في الحالة الأولى تسمح للأرض باحتواء كل الحيوانات والنباتات والبيئات التي عليها ولولا ذلك لما أمكن للأرض البقاء، ولتحولت إلى شيء آخر، وكذلك كل مسار زمني له هُوية متفردة.
هذه الهويات أو "الماهيات" الزمنية مصممة مسبقاً قبل أن تتحقق فعلياً ، ولذلك يمكنك أن تتنبأ باحتمالات معينة لمسارات معينة عندما تستقرئ أحداث أفراد النوع لذلك المسار، فيمكنك فهم قانون الحركة الفلكية للكواكب باستقراء مسارات دورانها، وهكذا تتنبأ بحركة أي جسم فلكي في الفضاء، لأن له هُوية معينة مختلفة عن هُوية أي شيء آخر، وهي ذات معنى محدد بدقة فيزيائياً.
كما حركات الشطرنج الممكنة، نظرياً يمكن للاعب أن يتحرك بمسارات لا تنتهي ولكن كل مسار جديد سيقلص عدد الاحتمالات لمستقبل اللعبه [ ضمن الرقعة نفسها ] فلن تتخيل أنه سيقوم بنقل البيدق ثلاث حركات معاً أو سيتعامل مع الحصان على أنه قلعة، أو أنه سيقتل بحركة واحدة كل أحجار الخصم، لأن هذه الحركات العشوائية مخالفة لقاعدة الرقعة، وحين تحدث فلابد أن اللاعب يقوم بشيء آخر غير التفاعل عبر اللعبة نفسها.
بنفس الطريقة يكون لكل مسار زمني مادي احتمالات مختلفة حين تحققه عن بقية المسارات، هذا التمايز في العلاقات الممكنة بين الأسباب والنتائج، وبين النتائج وتبعاتها يخضع للقيم الفيزيائية لكائنات المسار ، والتي تعطي للمسار تعريفاً قائماً على علاقات معينة لكل حركة زمنية، أي وبمعنى حرفي : "هناك هُوية لمسار الزمن" والهوية محددة مسبقاً قبل تحققه.
هذا المستوى يسمى بالوجود بالقوة، أو الوجود الكامن أو الباطني أو العقلي، يسمى أيضاً بالوجود الكمومي، لأنك في عالم الكموم تنتقل من مستوى التقييد لحركتك عبر الزمن إلى مستوى تصميم الزمن نفسه ولذلك تكون الكموم غير سببية ولا محلية ، ولكنها لا تظهر أبداً بشكلها المطلق في الزمن المرئي للبشر.
إذا تعمقت في فهم هذا المستوى من الوجود، سترى بأنه مصمم لخدمة القيم ولتتجلى الحياة والحقيقة والجمال عبره، وهو الشيء الذي يمكنك إدراكه وتذوقه ولا يمكن للتفكير وحده أن يعلمه لك، والعقل الكوني يوجه العالم ليبدو بطريقة محددة ويحقق في النهاية نتيجة مقررة مسبقاً، وهذه النتيجة المبنية على القيم تجعلها تتجلى في هيئة أرقام ومواد وعلاقات، ليس ذلك وحسب، بل أن هذا التصميم الذي يحاكي الحكمة المطلقة، يستدعي لبنائه قوة تفوق حتى الكموم والعقل، إذ أن العقل الكوني يسعى إلى تحقيق تجلي تلك القيم الإلهية، بهذه القوة الإلهية المتعالية على العالم، ويستعينها لتصميم النماذج الكونية للأحداث وإعطائه صفة الوجود العقلي، بناء على مقاديرها، هذه القوة تعطي للعقل الوجود وتعطي للزمن الحركة.
المستويات الثلاثة يعبر عنها بأسماء كثيرة أذكر لك منها : الوجود المادي أو الكون ( أو الأكوان ) أو (الأرض)، والوجود العقلي أو ما وراء الكون أو الميتافيزيقا (السماوات) والجوهر الحيوي الذي ينبعث منه كل ذلك الوجود وهو عالم اللاهوت.
وفي عالمنا الجزئي ثمة ما يشبه ذلك، اللعبة الالكترونية تحاكي نموذج الوجود بقدرات بسيطة، فهي تتكون من البيئة المادية والتي يمكنها أن تكون ثلاثية الأبعاد ولها زمن، ومن التصميم الخاص بمسارات الزمن والأحداث الممكنة للعبة، فكل مسار له نتيجة محددة مسبقاً، فإذا نجح اللاعب في مرحلة ما سيأتي لما بعدها وإلا سيعود للبداية، وإذا نجح بكل المراحل تنتهي اللعبة، وفي بعض الألعاب الأكثر تعمّقاً يمكن للنهاية الناجحة أن تختلف بحسب شخصية اللاعب التي تم اختيارها من عدة شخصيات وبحسب تصرفه في مواقع معينة أو كشفه لأسرار معينة.
تصميم اللعبة موجود في البرمجة قبل بدء اللعبة نفسها وقبل حتى بناءها في الحاسوب، وهذا التصميم أشبه ب"الوعاء" لكافة المسارات الزمنية الممكنة، فهو يربط كل مسار بمجموعته بحيث لا يمكنه أن يتجاوزها ومع ذلك فإن هذا المسار الزمني عندما يتحقق فإنه يتحقق محلياً وتحس أنت بتعاقب الأحداث الجزئية مع أن المصمم يراها كلها انتهت وقت انتهاء بناء اللعبة في الحاسوب. والحقيقة أن عنصر الإثارة والمتعة والتشويق في اللعبة معتمد على جهلك بأنها مجرد لعبة وعلى اهتمامك المتزايد بمجريات الأحداث ... التي تشغلك عن الحكمة منها.
التعديل الأخير: