تأثير مقام الجنس على المصير الروحي

مواضيع سيد الأحجار السبعة

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
840
مستوى التفاعل
1,605
36-300x181.jpg

الجنس هو التفاعل الحيوي الخالص بين الذات و الوجود ضمن الإطار الزمني المادي.

التفاعلات الممكنة من خلال نظام الزمن المادي تحكمها قوانين طبيعية تجعلها جافة ومحددة الدلالة، وهي تفاعلات لا تتصل من خلال روح مع روح أخرى، التواصل من خلال التفاعلات المعتمدة على أسباب مادية لا يتوجه مباشرة نحو الروح، بل نحو جسد الكيان وعقله وعلاقاته، عندما تريد تعليم شخص ما فأنت تتوجه نحو عقل الشخص وحين تشتري منه شيئاً فإنك تتوجه نحو بيئته، وحين توظفه تتوجه نحو جسده وعلاقاته، وهذه التفاعلات كلها سطحية ولا يتم من خلالها الاتصال مع "الروح" في الآخر على نحو خالص.

لا تجد الروح طريقة للتعبير العميق عن حقيقتها الوجودية من حيث هي كائن حر ومطلق وخارق للقوانين، ولا تجد وسيلة للاتصال بكيان روحي له نفس نوعية الوجود، كل وسائل الاتصال تمر أولاً من خلال حاجز النفس-الجسد الذي يمنع الروح من تحقيق تفاعل عميق ومباشر مع روح أخرى، بطريقة صادقة.

لِم الجنس هو وسيلة الاتصال الأقوى والأكثر فعالية بين الأرواح ضمن العالم المادي وقوانينه؟

لأن الروح لا تعتمد على أسباب مادية حتى تتصل بروح أخرى ، والمعاني الروحية لا يمكن ترميزها برموز مادية محددة، واللغة الروحية لا تستخدم أحرفاً مسموعة أو مقروءة .. لأن المادة "صغيرة" على ان تتسع لفضاء الروح اللانهائي ، وتعبر عن المعاني المطلقة واللانهائية، والمشاعر العميقة للغاية و"الخطيرة".

لكن الجنس هو تفاعل ينطوي على "إنكار حدود المادة" بحيث تكون رمزيتها مفتوحة، فيمكن أن ترمز لأشياء لا علاقة لها بالمادة التي تستخدم لترميزها، فتصبح الروح قادرة على الوصول لمعاني تعبر عن "مشاعر" لا توجد في المادة، من خلال استخدام هذه المادة لترمز إلى غير دلالاتها الطبيعية، فعل التعليم له دلالة محددة لا يمكن له أن يتعداها، فعل التجارة أيضاً له دلالة لا يمكنه تجاوزها، سحب النقود وإعطاؤها للآخر يعطي دلالة واضحة ومحدودة، ولكن استخدام النقود في صورة تطبع على الملابس الداخلية للنساء يعطي أبعاداً لانهائية لما يمكن أن يعنيه ذلك، حيث تتحطم صلابة رموز المادة من خلال جعلها وسيلة لاتصال مفتوح، وهذه هي الطريقة الوحيدة لجعل المادة تتجاوز حدود الموت إلى الحياة.

بطريقة ما على المادة أن تصبح نوعاً من "الهلام" الذي يعطي لها القدرة على حمل احتمالات تعبيرية لا نهائية، على الأقل ضمن الفضاء الذهني، والتي ستؤثر بطبيعة الحال على العالم الواقعي من خلال تأثيرها على هرمونات البشر وأنماط سلوكياتهم ومعتقداتهم عن أنفسهم وعن العالم والتي ستنتقل إلى أجسادهم وبيئاتهم وحتى بحوثهم العلمية الفيزيائية.

هذا هو السبب الحقيقي في أن التفاعل الجنسي يتحول من حالة "الاحتكاك الجسماني البسيط والسخيف" إلى "التعبير الإدراكي-التأويلي" الذي يحمل هيرمينيوطيقا خيالية ونماذج وأنماط وميولاً وتفضيلات لا تكتفي باستغلال الواقع، بل بتجاوزه، لأن الجنس سخيف إلى تلك الدرجة التي يكون فيها فعلاً بلا معنىً واقعي .. مما يسمح ب(العبث) من خلاله بالواقع، دون مراعاة الحقيقة الموضوعية، وهو التفاعل المادي الوحيد الذي يحظى بهذه الميزة، من حيث الوجود الواقعي الذي لا يحمل أي معنى على الإطلاق، ومن حيث الوجود الذهني القابل لحمل أي معنى مهما كان معقداً وعميقاً.

 
التعديل الأخير:
  • رائـع
التفاعلات: Dana
الكبت الجنسي مقابل التعبير الجنسي المفتوح

لاحظ أن الجنس هو ذلك السلوك الذي ( ليس له أهمية على الإطلاق ) ، وبنفس الوقت هو (الأهم من كل شيء آخر)... أستخدم هذه العبارة كتعبير عن عبثية الحياة "الدنيا" والزمن الغيابي، فطبيعته الهلامية الجوفاء من حيث هو فعل لا معنى له ، تسمح له باحتواء كافة المعاني الممكنة للتواصل بين روحين، يمكن تجسيد أي رسالة تحمل حالة وجودية من خلال السلوك الجنسي، الذي يشبه الطين الساخن القابل لاتخاذ أي شكل ثم يتحول إلى فخار.

طبيعة الجنس الهلامية تسمح بالتفاعل الحيوي ضمن الإطار الموضوعي إلى أقصى حد ممكن، لأن الجنس لا يعني أي شي محدد (ليس له دلالة إلا الاتصال نفسه) فهذا يتيح له أن يحمل كل الدلالات، مما يجعله الوسيلة المادية الوحيدة القادرة على حمل الاتصال الروحي عبر عالم المادة.

السد الوجودي بين الحقيقة والذات في طور الواقع هو انفصال الجسم عن العالم الفيزيائي، وفي طور نظام الوجود هو البون الفاصل بين الذهن والمنطق، وفي طور الوجود الخالص هو البون الفاصل بين الماهية والفضاء ...

الكبت الجنسي (والفعل الجنسي) انبثاق للسد التكويني الذي يحول بين الحقيقة والذات، ولكن في طور التفاعل (النار).
يمكن أن تدرك الوجود كذلك : الواقع الموضوعي مقابل الجسم (حاجز التراب)، المنطق مقابل العقل الفردي (حاجز الهواء)، الفضاء الوجودي مقابل الماهية الفردية (حاجز الماء).

فعل الكينونة يعاني من حاجز يفصل بينه وبين حقيقته، بين المستوى الفردي للفعل والمستوى الوجودي له، وهذا الحاجز هو الجنس.


الكبت هو مجرد عملية "إغلاق" لتدفق التيار الحيوي عبر منافذ الكينونة التي تصل بينها وبين العالم الموضوعي ، واستمرار حالة العزل هذه سيؤدي إلى نتيجة واحدة وهي انسحاب الكينونة من العالم الموضوعي وانزواؤها في عالمها الذهني وبعد الموت ستعيش هذه الكينونة في مساحة خاصة بها لوحدها من دون أي أرض حقيقية، باستثناء حدوث انفجار وجداني عاطفي يحطم السد النفسي المنيع بين الكينونة والحقيقة وهو "الكبت".

زمن الحياة بعد الموت سيكون امتداداً للمسار الذي تم التوجه إليه خلال فترة الحياة الأرضية، والسبب الوحيد لدعوة الله إلى الناس ان يتوجهوا إليه هو أن لا يتوهوا في ظلمات الزمن خلال امتداد حياتهمز

إذا كان المسار الزمني ينطوي على محاولة للانسحاب من الجانب الموضوعي من العالم وعدم التفاعل مع الوجود الحقيقي فسيؤثر ذلك على الروح بعد الموت، بعد الموت ستنسى نكهة الوجود الموضوعي بالضبط كما تتعطل حاسة الذوق نتيجة عدم تنشيطها لفترة طويلة جداً، بسبب الاعتماد على السيروم مثلاً.

لن تتذكر الروح معنى "الوجود الموضوعي" الذي انسحبت من التفاعل معه، ولذلك ستعتقد أن العالم الذهني (الذي تقيم فيه) هو كل شيء كان وسيكون، ولا وجود لمعاني أو لأبعاد أخرى تختلف جوهرياً، لأن العقل الغيابي تقبل اقتراح عدم التفاعل مع معنى (الوجود الموضوعي) وبالتالي اسنحب من حالة التفاعل معه، وأصبح انعدام الوجود الموضوعي للمعاني جزءً من مسلمات الزمن الذي تحيا الذات في أفقه. دون أن تتكلف عناء التحقيق في ذلك، سيبدو عالماً حقيقياً رغم أن الروح تعيش في حدود فضائها الذهني المنغلق على نفسه ولا تتصل بحقائق ما وراءه، وستعتقد الروح أن تناولها للطعام ذهنياً في ذلك العالم هو حالة تناول الطعام الوحيدة، مع نكهته لن تكون موضوعية بل ستكون أشبه ب"الإقرار" أنها تتناول الطعام وتتفاعل معه، وستعتقد أن هذا الإقرار هو كل شيء تحتاجه للحياة. رغم أنها لن تحس أبداً ما معنى الطعم الحقيقي، وبالتالي ما الفرق بينهما، فلا يوجد مرجع إسناد يمكنها محاكمة الواقع عليه لأنه يحوطها من كل الجهات.

المشهد قريب من معاناة انحباس أرواح البشر حالياً ضمن حدود هذا المكان والزمان، ولكن سيكون ذلك النوع من الأسر أكثر امتداداً نحو الداخل منه نحو الخارج.

المؤامرة، أو الشيطان أو الشر الوجودي (أو أياً يكن اسمك المفضل) ينجحون بعزل النموذج الأولي "آدم" عن الأرض الحقيقية التي هبط منها، ويجعلونه ينقسم على ذاته فيتشكل هذا العالم الحالي، ولكن هذا لا يكفي جوعهم اللامحدود، بل يريدون أن يجعلوا الروح ينسحب من "ذاته نفسها" عبر تعطيل كل روح من الأرواح التي شكلها الانقسام الأعظم واسرها ضمن حدود فضاء الذهن الفردي الخاص بها.

الكبت يخدم هذه الغاية بالتحديد سواء في الجنس أو في أي رغبة حقيقية أخرى ...

الكينونة التي تعزل نفسها عن الحقيقة ستحبس نفسها في دائرة فضائها الفردي المُغلق ، وسيتسبب ذلك في النهاية إما (1) موت الوعي التدريجي وانكفافه نحو الداخل أكثر فأكثر حتى يفقد كل الإحساس بذاته وبالوجود أو (2) انفجار عاطفي شهواني جامح لا يمكن السيطرة عليه من أجل تفريغ الدافعية وقد يأخذ شكل الغضب والعنف والانفعال والتدمير، ومع أن ظاهره خطير جداً ولكنه أرحم مصيراً من (1).

والآن هل الحل هو "الرضى ببقاء الرغبة الجنسية حاضرة في حياة الذات" ومهيمنة على تفاعلاتها على نحو نهائي وأصيل ؟

قد لا يبدو الجنس إشكالية وجودية على مستوى السطح، ولكن دعنا نتذكر جيداً أن التفاعل الجنسي هو نوع من "الانشغال" وأي انشغال من أي نوع، سيكون إدماناً يمنع الروح من الاتصال بالفضاء.

إذا تمت الاستجابة للرغبة الجنسية وتقبلها على نحو نهائي لا يمكن الفكاك عنه فسيتم أيضاص تقبل الحاجة المستمرة إلى الآخر والعيش المستمر في زمن الغياب لأن الىخر (الذي ستمارس معه الجنس) لا يوجد إلا في زمن الغياب، ففي زمن الحضور الخالص الذي لا يعتريه أي ضباب لن يكون هناك حاجز الجسم-النفس مقابل المادة-المنطق على الأقل لن يوجد هذا الحاجز بطريقة تسمح ب(الفردانية) والانكفاف ضمن الجسم ، ومن دون الفردانية والجسمانية كيف يمكن أن يكون للفعل الجنسي معنى أو دلالة ؟ وإذا فقد الفعل الجنسي دلالته فكيف يمكن أن يكون مرغوباً ؟

إن التحرر الروحي يتطلب زوال الرغبة الجنسية، ربما ليس مباشرة، ولكن لابد من حدوث هذا لأنه إذا لم يحدث فسيبقى الغياب قائماً وستبقى الحقيقة مطموسة، وربما هذا ما يجعل الجنس يرمز لكل الخطايا، لأنه السبب في بقاء زمن الغياب الذي سيسمح لاحقاص بكل الخطايا، ومن ناحية أخرى لابد من الصراحة مع النفس وأن نقول إن البشر ليسوا مستعدين للتنازل عن "حقهم الجنساني" الذي يجعلهم يحسون بالألوهية الأنانية المصطنعة، فقط من أجل إزالة الشر والظلام من العالم، أو تحقيق قيم الله، من لديه رغبة أن يتخلى عن الجنس إلى الأبد من أجل هدف كهذا ؟

في حالة التعبير الجنسي المفتوح موضوعياً سوف يُغلق التفاعل بين الوعي والوجود على دائرة الحياة الأرضية التي تلبي الشهوات الجنسية، بحيث لا يتمكن الوعي من إدراك أبعاد الوجود اللانهائية ومعاني الأشياء الحقيقية خارج دائرة انطباعاته الحسية الضيقة المتمثلة بالاحتكاك الجسدي وما حوله، لأنه متنازل مسبقاص (في العقل الغيابي"الباطن") عن جميع حقوقه واتصالاته الوجودية من أجل تلبية نداء الشهوة الجنسية ضمن حدودها الظاهرية.

يستتبع ذلك في ما وراء بوابة الموت أن يهيمن الواقع الموضوعي على فضاء الكينونة الفرداني، ففي الحالة الاولى الكينونة انسحبت من الواقع الموضوعي ... ففي الحالة الثانية الكينونة "انمحت" ضمن الواقع الموضوعي، بحيث أنها أصبحت عبدة أسيرة لكل الظروف المختلفة دون البحث عن تعليل (تماماً كما لم تبحث عن تعليل قيم للجنس الذي عبدته) ولم تعد تبدي أي مقاومة للمسار الزمني المتاح، ورفعت عن نفسها تكليفها بمسؤولية تقرير مصيرها ، والنهاية القصوى ستكون التحول إلى شيء يشبه الدودة والصراصير وبهائم المزارع في أحسن الأحوال، ثم مرة أخرى إلى "كيان جامد" لا يستطيع تحسس شيء، لأنه لم يكن يركز على "الشيء" في حيواته السابقة، بل على الإحساس المتلاحم...

إن توقف الوعي يوماً عن سؤال "لماذا" والتعمق بإدراك حقيقة الأمور الظاهرية ، فلن يكون لدى النفس المسوغ بعد الموت لكي لا تذعن لواقع الحياة مهما كان شكله، ولن يكون لديها المسوغ أن لا تسلم مصيرها للآخرين ليقرروه مهما كانت قراراتهم ومهما كانوا، وستسمح للجميع بالقرار عوضاً عنها... وبالتالي، لن يكون لدى الوعي أدنى فرصة للخلاص، تماماً كما في حالة الكبت الجنسي ولكن بطريقة غير عزيزة (أو بالأحرى بطريقة محتقرة).

هذه هي الحقيقة القاسية التي تجعلني أغضب من الوجود البشر ...

لقد أدركتها بطريقة ما في وقت من الأوقات، وجعلتني أحس باليأس من العالم، هذا العالم مبرمج على افتراس الأرواح بلا رحمة ومنعها من عيش الحياة الحقيقية، لسبب ما على كل شيء في هذا العالم أن يجبر الوعي على الانسحاب من الحياة ... على فقدان التواصل مع أي وعي آخر ... على الرضى بحالة العجز عن الاصتال بالوعي والوجود والانكفاف نحو الذات ، نحن ندفع مصيرنا الغالي ثمناً لأنانيتنا الرخيصة ...

ميكنيكية عمل الزمن في العالم هكذا ، وتسير على الجميع ، ولا يمكن التملص من افتراس الزمن الغيابي للروح ولا عكسه ولا الهروب منه، وهو يسير على جميع الكائنات في هذا الوجود، وواضح أن الظلام لم يكتفي فقط بوضع نفسه في مكان ما في أرض الحقيقة بل يريد أخذ كامل حصة الكينونة الحقيقية من وجودها، وواضح أيضاً أنه يعتمد على حجة قوية في ذلك وهي تخلي الكينونة عن هذا الوجود (عن وجودها الحقيقي مقابل وجودها الأناني).

3-2327.jpg
 
  • رائـع
التفاعلات: Dana
من الذي يقرر شكل الحياة ؟

هل سالت نفسك يوماً من أين يأتي الدافع الجنسي ؟ هل يمكن ان يكون انبعاثاً سطحياص لشيء أعمق ....

كيف يعطل التفاعل جنسي النمو الروحي ويحجب الحقيقة عن المريد بما أن الجنس استجابة لرغبة الاتصال بين روحين ؟

ماهية الدافع الجنسي :

إنه من حيث "نواة الرغبة" التي تشكل الدافع الجنسي فهي رغبة الروح في الوصول إلى الحقيقة وتجاوز الزمن الغيابي نحو الحضور، ولذلك تتجه الرغبة الجنسية إلى موضوعات واعية او موضوعات "تحاكي الوعي" فحتى الدمية الجنسية يفترض أن يكون لها شكل يعطي إيحاءً بانها واعية أو تشبه شيئاً يعود لكائن واعي، أي أن الوعي هو المستهدف الحقيقي للرغبة، والوعي هو ذلك الكيان الخالص المجرد عن القيود والصفات الميتة والذي يبدو وكأنه "محض حياة" في الكينونة، إنه الجانب الحي منها، ولذلك يقال إن رغبة الجنس هي "رغبة المعرفة" أي معرفة حقيقة المجهول، وبالتالي غريزة الجنس هي محاولة للعودة إلى عالم الحقيقة.

لكن من حيث "ترجمة العقل الغيابي" لمعنى الرغبة الجنسية فإنه يحول قوامها الوجودي من تلك الرغبة السامية بالتواصل بين الأرواح والعودة إلى الحقيقة إلى مجرد محاولة لسد فجوة قلق مجهول المصدر، يسمى الدافع الجنسي، الذي لم يعطى الوقت الكافي لمعرفة كنهه من قبل الإنسان.

الدافع الجنسي بالنسبة للإنسان المعاصر هو "واجب\ضرورة يفرضها تكوين بايولوجيا الكائن الحي" والأمر الواضح والمرصود ظاهرياً من الدفع الجنسي هو محض تأثيره المسبب للقلق والألم في حالة عدم الاستجابة وللراحة والمتعة في حالة الاستجابة، والإنسان المتبني للفلسفة المادية يعتقد أنه لا داعي ولا جدوى عملياً للتبحر في كنه موضوع الدافعية أكثر، فكل ما يجب معرفته أن هناك دافعاً وأن عليه الاستجابة له، وإلا ستكون هناك عواقب بايولوجية.

لقد جرّد الإنسان دافعية الجنس من حقيقته الكونية من حيث هو رغبة بتجاوز الغياب نحو الحضور والهلام نحو الحقيقة والظلمات نحو النور ولم يدرك منه إلا محض "قوة الدفع" فلم يعد يستطيع ان يرى فيه إلا التأثير الضاغط على الأعصاب، ولم يعد يقيّم منه إلا الراحة الناتجة عن "الاستجابة للتأثير الضاغط" الممارس عليه. لتكون معادلة "الهوميوستاز"(1) هي كل ما يتوجب على الإنسان أن يعرفه عن الدافع الجنسي،

ولكن بناء على البحث في "كُنه" الدافعية الجنسية فلا يكفي أن تقول "هناك دافع للجنس" وتتوقف، لأن الأمر ليس كذلك ... من أين يأتي هذا الدافع ؟ هل يُخلَق من العدم فجأة ؟ بالتأكيد هناك أسباب لحدوث الاستثارة، هناك هيكل لتكوينية الدافع الجنسي وبحث الوعي يتمحور حول إدراك كنه الدافعية، الأسباب، الهيكيلة الوجودية التي تشكل "حقيقة الدافع الجنسي". ويبدأ من نقطة رفض تصور الموضوع بطريقة بايولوجية بحتة تقول إنها محض هرمونات تضغط على الدماغ والتوازن العصبي.

أولاً : هذه الفكرة مجرد فرضية، ونقاشها يبعد الوعي عن الحقيقة الحاضرة مباشرة للإدراك وهي أن الدافع الجنسي مكون من امتزاج نماذج النفس مع قوى الجسد ورغبات الوعي الخالص، الذي لو لم يكن له تدخل رغباني على الإطلاق لما تولد الدافع الجنسي من الأصل، لأن الوعي حينها سيكون محايداً وسيرصد الضغط الممارس عليه كما لو كان شيئاً خارجياً لا يسترعي الانتباه، ولكن حتى الوعي يريد تحقيق شيء ما من هذه العملية.

ثانياً : عند تشريح الصورة الظاهرية للدافع الجنسي ستجد أنه يتكون من جانب عصبي وجانب نفسي، وجانب حيوي (يتعلق بالوعي\الروح) والقسم العصبي من الدافعية هو محض "التوتر العصبي مجهول المصدر، لا يولد "تأويلات" مثل الميول والتفضيلات، التي تحتاج لروابط ذهنية تقرر أن هذا الشعور يستدعي هذه الاستجابة، بل يتوقف عمل الجهاز العصبي عند استحداث حالة توتر فيزيولوجي تخبر أن هناك شيئاً ما ينبغي التركيز عليه حيال هذا الجسد.

ثالثاً ... هناك نوعان للدافعية :

1. "الدافع السالب" والذي يحدث من دون إرادة واختيار وجهد مبذول في تحديد المثير أو فهمه أو فهم آلية الاستجابة له، ويتمثل في مشاعر تطرأ على الإدراك من دون مناسبة ومن دون تعليل واضح أو نموذج، وهي مشاعر خالصة على عكس التوتر، وهذا الدافع لا يتطلب الاستجابة قهرياً لأنه متناغم مع وتيرة عمل الجسم والكينونة.

2. "الدافع الموجب" يحدث بتوجه إرادي نحو المثير، واختيار يكون فيه دور الوعي الفردي فاعلاً وغالباً ما يكون هذا الاختيار منعكساً من نماذج مسبقة يتبناها العقل الغيابي، وهو طريقة اندفاع البشر الشائعة نحو الجنس، والتي تتسم بحالة "قلق" و"دوبامين" لكن الدافع السالب يتسم بحالة استرخاء عميق.

الدافع السالب يصل لمرحلة الإشباع حتى لو لم تتحقق الاستجابة، بالاحرى إن المثير ليس "هناك في الخارج" وإذا كان موجوداً في الخارج فسيكون التواصل معه متاحاً، اي أن الاستثارة تنبعث من المجال المحايث للإدراك ولذلك تكون واضحة جداً وانتشائية.

لو كان الدافع الجنسي عصبياً بايولوجياً فلن يكون هناك حالة سالبة وموجة للدافعية، سيكون المثير دائماً في حالة حضورية، بمعنىً آخر، الاستثارة المتحققة من رؤية صورة مطربة شهيرة لن تتواجد بشكل تأويلي (تخيل طريقة للوصول إلى المطربة نفسها) بل بشكل مباشر (الصورة في حدود آفاقها المحلية) وهذا يعني أن هوية المطربة النفسية والكائنية والتي تشكل العامل الأكبر للاستثارة الجنسية غير موجودة في معادلة التفاعل العصبي.

الدافع الجنسي السالب، ليس إلا نتيجة للتوازن الداخلي والتناغم مع الموضوع ، على عكس الدافع الجنسي الموجب الذي لا يعبر إلا عن حالة اندماج بين تأويل ذهني وانهيار هرموني عصبي يحتاج إلى تسكين.

هذه بعض الأمثلة على المشاكل التي تواجه نظرية الهوميوستاز، وهناك مباحث أكثر عمقاً للمشاكل التي تتضمنها، وعموماً يمكن القول إن الدافع الهوميوستازي تفسير صحيح ولكنه ليس تفسيراً كاملاً ومحيطاً وشمولياً، فهو يمثل جزءً من الوجه الظاهري من الموضوع وتبني هذا الضرب من الفكر يعبر عن موقف "الاقتضاب في التفسير" بما يتوافق مع الأهداف العملية البائسة وبما لا يتوافق مع البحث عن الحقيقة.

لماذا الاستجابة لنداء الجنس تشكل عائقاً أمام إدراك الذات للحقيقة ؟

هل تعلم ، غياب المثير عن الحضور في حياة الفرد يدفع الكائن نحو التطور المستمر والارتقاء، يصنع منه شيئاً، ولكن نفس هذا المثير لو كان متوافراً للكائن طوال الوقت فإن الكائن سيتقاعس عن تحديات الوجود وسيبدأ بالذوبان في اللاشيء حتى يصل لمرحلة العجز والتلاشي مع البيئة، لأنه لا يمتلك سبباً ليحارب من أجل الوجود، لقد حقق رغبته وانتهى الأمر.

ما الذي يحدث عندما يحب شخص ما امرأة بجنون ولكنها ليست في متناول اليد ؟ إنه سيطور إمكانياته الموضوعية وسيصنع من نفسه شيئاً من أجل أن يحظى بها، سوف يذهب لتعلم اللغات والمهارات الجديدة ويدخل سوق العمل ويفعل الأفاعيل حتى يتوافق مع الشروط التي يتطلبها هدفه..

إنه سيتجاوز حدود ماهيته ...

هذا التجاوز يتحدى المنطق ويعتبر خروجاً عن السرد ...كسراً للقواعد ، لكن لماذا ؟

لأن هناك شيئاً ليس بمتناول اليد ولا مناص من البحث عنه

السردية تحافز على ما هو بمتناول اليد مسبقاً ... السردية تطوق وعي الكينونة وتمنعها من كسر حواجزها المسبقة ، قد تكون سردية الكائن معقدة ومتطورة ولكنه لا يستطيع تجاوزها، فإذا ولد لعائلةغنية جداً وبذكاء عالي جداً فعنده الإمكانية ليتعلم 7 لغات ويصبح أفضل مبرمج في العالم، وحين يفعل ذلك فهو يسير مع تيار السرد ولا يتحدى السرد كما في حالة شخص ولد يتيماً ، أو ضعيف القدرة على التركيز، ولكنه يقوم باختراق ما يتيحه قدره.

لكن ماذا لو أن العاشق حظي بمن يحبها دون أن يكون هناك تحديات ؟

إن غايته ستتحقق بمجرد التفاعل معها، وبالتالي سيستطيع العيش حتى في "زريبة" لأنه لا يرغب في أكثر من ذلك.. وبالتالي لن يعلم شيئاً جديداً وسيعيش كما سيموت بالضبط.

إن غياب المثير (من جهة القدر) يعني وجود مجال للتطوير الذاتي والتحلي بصفات جميلة والتخلي عن صفات قبيحة، لكن توافر المثير عند أدنى طلب سيؤدي لكسل الكينونة، وبنفس الطريقة يصير الأمر بالنسبة للروح عندما ترغب بالحقيقة ، ولكنها تفرغ ضغط الرغبة الجامحة بذلك الكنز الغير متاح بشيء متاح (الجنس) وتتنازل عن الوصول غلى حقيقة تتجاوز حد الواقع المعاش في سبيل تحقيق حالة تفاعل جنسي "رخيص" تؤدي لمتعة مؤقتة ... هكذا لا تحتاج هذه الروح إلى طلب الحقيقة والقيم ومحاولة كسر المصفوفة واختراق الواقع ونحو ذلك..

لو كان المعيار هو "المتعة المختبرة فردياً" فلا تتوقع أن هناك اختلافاً في قدر المتعة بين الجنس وبين الوصول إلى الحقيقة ، لكن الاختلاف هو في "القيمة الوجودية" لكل منهما، والتفريغ المستمر للانفعال والتوتر في استجابات قصيرة المدى وضعيفة سيؤدي بالتالي إلى ضياع الوقت والطاقة دون بذلهما في عناء الوصول إلى الحقيقة.

أصلاً طلب القدرات الخارقة إنما هو في غايته مهم في التطور الروحي ، لأنه يعكس رفض العيش في كنف المصفوفة، وليس من اجل القدرة نفسها، أصلاً هذه القدرة لا تتدخل بأعمال القدر الحقيقية ولا يمكنها تغيير مصير الآخرين، بل حتى الشخص نفسه قد لا تفيده كثيراً، بل لن تفيده (في الصورة الكبرى) إلا بقدر ما يؤمن بها ويتفاعل معها حميمياً.

رغبة الروح في التفاعل مع روح حقيقية، من دون احتجاز للتعبير، يمكن الاستجابة لها من خلال هلام المادة (الجنس) ولكن النتيجة ستكو
ن انحباس الروح في العالم المادي، لأنها لم تعد تطالب بما هو أكثر منه.

إذن ... من الذي يقرر شكل الحياة الإنسانية ؟

إنه "الجميع" و"اللااحد" كما يعبر عنها هايدغر ... شكل الحياة الإنسانية يقرره بقاء المجتمع الذي يضمن استمرار السردية الخاصة بالإنسان، ولكن هذا المجتمع مجرد آلة تنظيمية "أجوف بلا حياة" فهو اللاأحد، إنه الجميع الذين يركز كل منهم على الآخر فلا يبقى فيهم ذات وحياة ذاتية.​
 
التعديل الأخير:

أداب الحوار

المرجو التحلي بأداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، بحال مضايقة إستخدم زر الإبلاغ وسنتخذ الإجراء المناسب، يمكنك الإطلاع على [ قوانين وسياسة الموقع ] و [ ماهو سايكوجين ]
أعلى أسفل