سيد الأحجار السبعة
عابر الزمن الثالث
- المشاركات
- 946
- مستوى التفاعل
- 1,659
إن التجربة وفق ما يحددها المنهج التجريبي الذي جاءنا به مجموعة من الباحثين في الوضعية المنطقية في القرن العشرين ، قاصر جداً عن الوصول إلى نتائج حقيقية ، وهذا معروف جداً للجميع ، لكن أكثر من ذلك بكثير ، إنه قاصر جداً عن الوصول إلى نتائج عملية أيضاً ، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.
عول الوضعيون منذ القرن التاسع عشر على منهج معرفي جديد لا يهدف للوصول إلى الحقيقة وباقي القيم الفلسفية ، ويستهدف بدل ذلك الوصول إلى أشياء مفيدة عملياً ، ليقصي البحث الروحي والفلسفي والقيمي ، ويضع مكانه مجموعة من قيم الحداثة الغربية التي قادها الوضعيون أنفسهم ، وتحت شعار العولمة ، أحد هذه القيم الوضعية ( التي تم الاتفاق عليها لا لغاية لها أسس فلسفية بل لغايات تدعم مذهب المنفعة ) قامت الجهات الرأسمالية الممتلكة للسلطة والإعلام في الغرب ، والمنطلقة من مذهب المنفعة ، بفرض ما تراه مناسباً للإنسانية ( أو ما تعلن انها تراه مناسباً ) مقصية كل الآراء الأخرى التي تؤيد الفلسفة في الشرق والغرب ، ومعلنة عن مولد الرب الجديد للبشرية ، الإعلام العلمي.
ورغم أنهم انطلقوا من مبدأ حرية الرأي ، إلا انهم كمموها فيما بعد بحجة أنها تخالف أحكام هذا الرب الجديد ، فصار من غير المصرح اليوم أن تقول كلمة تخالف القيم الحداثوية الغربية ، فإذا دعا شخص لتغيير المنهج العلمي ، يوصف بالدجل والخرافة ، وتمنع كتبه ، وتتم مقاضاته ، وإذا دعا إلى تغيير القيم الاجتماعية الغربية الحديثة لمن يريد ذلك ، يوصف بالتخلف ومحاربة الحريات ويتم الحظر عليه.
"الديمقراطية التي تقتل ذاتها" نتيجة تنبأ بها أفلاطون من آلاف السنين ، وبحجج منطقية رصينة ، ومن حقنا التساؤل الجدي عما إذا كانت الدنيا أجمل الآن أم في العصور الوسطى رغم قمع الحريات ، وكانت الأمراض متى أقل ؟ وكانت الحروب متى أقل ؟ وكانت السعادة متى أكثر ؟ ... هذه كانت مقدمة لابد منها لإبراز أسباب الترويج الإعلامي الدائم للعقاقير الطبية كعلاج أساسي للأمراض النفسية ، وذلك من خلال تأويل تجارب معينة بطرق معينة واستخدام هذه التأويلات كحقائق نهائية.
"من لسانك أدينك" ، إن التجارب نفسها التي تم الاستشهاد بها على فعالية عقاقير الاكتئاب والقلق وغيره من الأمراض النفسية ، يتم تأويلها اليوم بطريقة أكثر دقة ، دون أن ينتشر هذا التأويل إلا في أوساط أصحاب الوعي الروحي والعلمي ، حيث أن دراسة حديثة شملت عدة مقارنات ضخمة ، جادة وطويلة الأمد بين العلاج بالعقاقير الكيميائية والعلاج الوهمي ، أظهر تطابقاً في الفعالية [1] ، بل حتى أنه في كثير من الحالات ، قد تفوق العلاج الوهمي ، وذلك نظراً للأخطاء الكيميائية في النقل العصبي التي يؤدي إليها العلاج بالعقاقير الكيميائية.
وبينما يكون العلاج الكيميائي أخلاقياً لأنه يتم بعلم المريض ، فإن العلاج الوهمي يعتبر غير أخلاقي لأن المريض لا يعلم أنه يأخذ علاجاً وهمياً ، رغم كل الأضرار التي تشملها الأدوية النفسية على المدى الطويل [2] :
- تشمل آثار مضادات الذهان خلل الحركة المتأخر TD الذي يؤدي لحركات لاإرادية في الوجه واللسان والفم والجذع والأطراف.
- تشمل آثار مثبطات امتصاص السيروتونين مشاكل مثل الأرق والإرهاق والعجز الجنسي ، مع إمكانية حدوث أضرار أخرى مثل زيادة الوزن ، ولكن أشد الأضرار فتكاً هي "متلازمة السيروتونين"[3][4] وهي ناتجة عن صدمة دوائية ممكن أن تحدث في حال استخدام جرعات زائدة ومن الممكن أن تشكل خطراً حقيقياً على الحياة ، بسبب أنها تتسم بأعراض مثل الارتعاش ، عدم الاتساق في الحركات ، تغيرات في الحالة العقلية تؤدي إلى عدم القدرة على ضبط النفس ، ومن الممكن أن تحدث بشكل طفيف على هيئة نوبات من الغضب والانفعال.
- ومن الممكن أن تؤدي مضادات اكتئاب من أنواع معينة مثل مثبطات الكولين ، إلى الخرف [5].
هذه أضرار بعض الأدوية النفسية الكيميائية ، والآن ، لنرى مقارنات بين العلاج بهذه الأدوية ، وبين العلاج النفسي والبديل :
- في دراسة مقارنة [6] استمرت لخمس وعشرين سنة ، للمقارنة بين العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي ، لاضطراب الرهاب الاجتماعي ، شملت أكثر من 13000 مريض ، تبين الحسم النهائي لصالح العلاج المعرفي السلوكي ، مع أعراض جانبية أقل بكثير أو شبه معدومة ، واستمرار دائم حتى بعد انتهاء فترة العلاج القصيرة ، ولذلك قال مايو-ويلسون في بيان 'الآن بعد أن عرفنا ما هو الأفضل ، نحتاج إلى تحسين الوصول إلى العلاج النفسي لأولئك الذين يعانون'. 'إن زيادة الاستثمار في العلاجات النفسية من شأنه تحسين نوعية الحياة وزيادة الإنتاجية في مكان العمل وتقليل تكاليف الرعاية الصحية.'
- تشير الكثير من الدراسات ، إلى أن فعالية العلاج الدوائي العصبي ، مساوية تقريباً العلاج النفسي ( خاصة السلوكي والمعرفي ) ، ومع ذلك ، فإن هذه الدراسات أهملت سببين أساسيين لاختيار العلاج النفسي على الدوائي ، الأول هو أن العلاج النفسي وفق جميع الدراسات له مفعول دائم ، والثانية أن العلاج الدوائي ، حتى مع الاستمرارية به ، يفقد فعاليته عبر الزمن [7] وذلك يشمل مختلف أنواع أدوية الاكتئاب أيضاً [8] والسبب الحقيقي غير المعروف من الجهات العلمية وراء ذلك ، أن جذر المشكلة ليس هو كيمياء الدماغ ، التي ما هي إلا عرض من أعراض التعلم الإشراطي غير الصحيح ، والإدراكات السابقة الشاذة التي ولدت معتقدات مريضة ، والعقدة الخفية في اللاشعور ، وعندما يتم علاج هذه الأشياء ، عبر العلاج المعرفي أو السلوكي أو علاج الصدمات ( التروما ) والتحليل النفسي ، دائماً ما يكون التحسن مستمراً بعد انقطاع العلاج ، في حين أن فعالية الأدوية القادمة من الإيحاء الوهمي تتلاشى مع مرور الزمن حتى مع استمرار العلاج بها ، لأن الحقيقة هي أن كيمياء الدماغ تتغير باستمرار ، وأي مثير مرتبط بالعقد ، بإمكانه أن يستحث الاستجابة السلبية وما يتبعها من اختلال في كيمياء الدماغ مرة أخرى ، وما مفعول الادوية إلا إيحاء يرفع المعنويات ومعها يرتفع السيروتونين ونحوه ، فبالتأكيد لن أنكر حقيقة تعلق المرض بكيمياء الدماغ ، لكنها مجرد عرض للمشكلة الأساسية القابعة في اللاشعور ، واللاشعور هو ذاكرة النظام بالنسبة للعقل ، وليس من الممكن بتاتاً أن يتم تخزينه في الخلايا العصبية ، بسبب طبيعته اللامادية ، وهو ما تشير إليه نظرية الدماغ الهولوغرافي [9] التي تم تدعيمها بأدلة أكثر من أي نظرية أخرى.
إن معظم الأبحاث التي استشهدت بها في هذا البحث ، هي أبحاث قامت بها المؤسسات الرسمية المتعصبة للمنهج التجريبي ، وأكثر من ذلك أنها ممولة من جهات معينة ، وكما نعلم ، فإن التجربة الإحصائية تفتقد إلى كثير من التفاصيل ، كتاريخ حياة المريض ، وطبيعة شخصيته ، وظروفه الحالية ، وطبيعة معتقداته ، والكثير من التفاصيل الفيصلية في تحديد النتيجة النهائية ، لكنني رغم ذلك استشهدت بها ، رغم أن التجربة المبنية على البرهان الهندسي أقوى بكثير [10] لكن أريد أن أثبت عدم موثوقية هذه الأدوية ومعظم ما قدمته المذاهب المادية في مختلف العلوم ، من خلال ما ينطق به لسانها نفسه ، وبذلك أكون قد وضحت حقيقة قوة العلاج النفسي في مقابل العلاج الدوائي ، وآمل أن تثمر هذه الأفكار التي قدمتها في المستقبل ، لتوعية الناس حول حقيقة الصراع بين المادية والروحية ، ووصول هذا الصراع إلى اكثر مفاصل الحياة حساسية ، مما يوجب بشكل أو بآخر أن تتم دراسة المسألة بشكل مفصل في جذور المذهبين المادي والروحي ، وذلك بالاعتماد على اكتشاف الحياة لا على حفظ التاريخ لهذه المذاهب.
______________________________________________________
المراجع والملاحظات :
[1] Are Treatments More Effective than Placebos? A Systematic Review and Meta-Analysis
[2] Common Side Effects of Psychiatric Medications
[3] SSRI Antidepressant Medications: Adverse Effects and Tolerability
[4] Serotonin Syndrome With Paroxetine Overdose: A Case Report
[5] Certain Antidepressants Linked to Increased Dementia Risk — Even Years Later
[6] CBT Better Than Medication For Treating Social Anxiety Disorder
[7] Do antipsychotic drugs lose their efficacy for relapse prevention over time?
[8] Step-wise loss of antidepressant effectiveness with repeated antidepressant trials in bipolar II depression
[9] Brain as Hologram
[10] التجربة الهندسية : انت لا تحتاج إلى اختبار أكثر من مثلث واحد لتبرهن على صحة نظرية فيثاغورس ، وبالمثل ، فإن دراسة حالة واحدة بشكل شامل ومفصل ، والاعتماد على التفسير المنطقي الممنهج لها ، يمكن أن يعرفك بالحقيقة كاملة ، حتى لو كانت هذه الحالة هي نفسك ، وهذا السر في أخطر خطأ في المنهج التجريبي ، وهو انه يهمل التفاصيل الأكثر أهمية ثم يقوم بإحصائيات شاملة ، ظناً منه أن التكرار المستمر لنفس النتائج بشكل تقريبي ، يكفي لإثبات المسألة برغماتياً ، بينما في البرهان الهندسي ، نستخدم حالة واحدة ، وتجربة واحدة ، لكنها تخضع لقوانين معينة بحيث لا تدع مجالاً للشك في صدق نتائجها على جميع الحالات المشابهة.
التعديل الأخير: