لا انا ولا انت نعلم شي ، بل هي وجهات نظر وحقايق كل منا يراها حقيقه بعقله ويحسها بقلبه .
هذا هو ما أسميه بأفيون السباحة الأثيرية ..
التوكيد المستمر أنه لا حقيقة والعالم عبثي وتافع إلا ما يهواه الإنسان ويضفي عليه القيمة..
إنه لشيء مريح للإنسان أن يعتقد أن الحق وهم، بالنسبة للإنسان، فهذا ما يجب أن يكون رأس الحكمة، وهو المبدأ الأعلى لبني البشر.ت
هناك فوائد لا حصر لها من إنكار الحق، تبرير الجهل المطلق ورفع مسؤولية البحث عن الحقيقة وعنائها، وغياب اليقين عن حياته، والإحساس الإيحائي بأن هذه الحياة اللاحقيقية والتي لا معنى لها، هي الحالة الوحيدة وبالتالي يوجد لهذا العبث تبرير.
ذلك هو منتهى الإنسانية، ونزعة الوجود الإنساني هي الرغبة في هلمنة العالم المشهود إلى الحد الذي يصبح فيه كل شيء منصهرا ببعضه ويستحيل فيه تحديد معالم الوجود بالاعتماد على الإدراك فينفصل الحضور عن الهيكل وتنفصل الحياة عن القيمة، مما يخلق حياة هلامية يمكن تشكيلها بحرية بغض النظر عن الحقيقة بعد قطع الاتصال بالوجود.
ثم يصنع الإنسان حكمة جديدة عنوانها (كيف تحيا من دون الحقيقة) و(كيف تتعايش مع الهلامية) و(أنت تصنع معنى حياتك) ... حياتك ..
ما هي حياتك ؟
ما هي التجربة التي تخوضها وما الغاية منها ؟
ما هي غايتك أنت منها ..
هل حقا لا تمتلك غاية .. أم لا تريد فتح بصيرتك على غايات تتجاوز حدود إطار حياتك ...
لا شك أنك لم تعد تذكر حتى، لم تعد تستطيع أن تلتفت إلى أن هذا السؤال له معنى ، أنك كنت تشعر بقيمته، و كنت تحس بوجوده ذات يوم..
ولم تعد تحس به الآن.
يريد الإنسان عنوة أن يسخف الحياة ويبسطها إلى الحد الذي لا يكون قيمة للعالم، أو في العالم، إلا ما يقرره الإنسان نفسه فيكون مزاجه هو المعيار، وتصبح كلمة الحقيقة هي تعبيرا آخر عن المزاج والمزاج يتبع اللذة والألم، واللذة والألم بيد أصحاب السلطة،، وتدريجيا تصبح الحقيقة هي ما يقرره أصحاب السلطة، بحيث، تنسى ما يريدونك أن تنساه، بحيث لا تتذكر أصلا المعاني التي لا يريدونك أن تتذكرها لأنك ستتألم أثناء بحثك عنها، وستتألم كلما اقتربت أكثر منها..
فتكون الحكمة هي عدم الاكتراث، الذي تدعو إليه الآن.
لقد فكرت بالأمر كثيرا، ولكني اكتشفت أن رفضي المستمر للتضحية التي لا معنى لها بأمور قيمة من أجل التعايش مع الواقع أو حياة مريحة، يعني أنني على صواب، يعني أنني أريد المعنى، أريد الحقيقة، ولذلك أرفض كل نقطة من العبث .. مهما تكون.
يعني أني أقوى من الشياطين .. التي سلمت نفسك لها .. بكل سرور ..
من السهل جدا أن تقول (لا أحد يعلم أي حقيقة) والكل سيصفق لك، أما أن تقول (إني أعلم هذه الحقيقة) فإنك تفتح على نفسك النار، الكل سيصبح جبهة حرب أمامك، لا أحد من الناس يحب أن تعلم الحقيقة، فضلا عن أن تعلن ذلك أمامه وتدعوه إليها.
ولكن الأهم .. أني لم أقل (أنا أعلم الحقيقة) فهذه لم تكن قضية أحاول إثباتها، لكني قلت : هو ذا هو الحق من ربكم، والحق يعلم بذاته وتصل إليه عبر طريقه المؤدية إليه والتي لا تتغير.
حين علمته .. علمته من سبيلي، لا من شخصي .. ثم عرضت السبيل عليكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..
نعم، تجاوزت مرحلة الشخص في مجال معين .. أي أني لا أكتب باسمي بل باسم الحق ..
لم تكن قضيتي يوما أني ( شخص أعلم الحقيقة) بل ، أن (هذه هي الحقيقة) ..
ليس المهم هل أنا أعلمها أم لا، يجب أن أغيب من عقل القارئ ويحضر إليه المعنى الذي أتحدث عنه..
يجب أن يحسها القارئ، لا أن يعلم أني أعلمها..
الحقيقة أصلا .. لا يمكن أن تمسكها في عقلك، إنها خارج حدود الزمن والعقل، لذلك يتعلم الحقيقة في لحظة شخودك لها ويتغيب عنك حين لا تشاهدها ..
أنا لا أعلم الحقيقة .. أنا شاهدت الحقيقة ..
وغابت عني فيما بعد ، ثم شاهدتها ثم غابت ...
ثم شاهدتها ...
لكن السبيل الوحيد لتحارب المعنى هي أن توهم القارئ أن الداعي إلى الحق يدعي أنه هو الذي يعلمه، ولا يبلغ عن الحق بحد ذاته.
ولا يمكنني أن أدافع عن نفسي لهذا السبب، ولهذا السبب أكره الأناسي الأوغاد، الذين يحاربون شخص الداعي إلى الحق لكراهيتهم للحق، وليس بسبب الشخص.. أكرههم
أعلم الآن وجع أنبياء الله...
ياله من ألم ..
تبا للأوغاد...
كلما نقلت الحديث إلى السماء يرجعه فصيل من الناس إلى الأرض بلفت النظر عن الحق إلى حيز الشخصيات (أنت وأنا) .. والذي لن ينتصر فيه إلا الشيطان ..
فإني لست مثلك ولا أنت مثلي ولا أحد مثل أحد، ولن أحاول التواضع فيضيع الحق بسبب غباءه...
وبالمناسبة ...
أفضل أن أبدو مجنونا بالغرور، على أن يمنعني التواضع الأعمى من قول الحقيقة التي سيعرفها الإنسان رغما عنه وسينكرها من سفه نفسه.
وحسبي الله ... ونعم الوكيل