ع
عضو محذوف 129
زائر - عضو سابق
لا أعرف شيئًا عن محبة تتعالى عن بشريتي وإنسانيتي. لست أنكر وجودها، بل أقر بجهلي لها. ما أعرفه هو أن الحبَّ لا يتجزأ ولا ينقسم. فهو لا يكون سماويًّا أو أرضيًّا، ولا يكون إلهيًّا أو بشريًّا، ولا يكون حرية أو عبودية، إلخ. الحب وحدة كلانية تتعالى عن الثنوية والتضاد. بهذا المعنى، لا يكون الجانب "الروحي" في الحب أرقى من الجانب "الجسدي" – فهذه نظرة إيديولوجية فحسب. إن معظم أفكارنا وتصوراتنا عن الحب تدور في فلك أوهام عن الحب: الحب البعيد، الذي ليس في المتناول، ما فوقي وما ورائي. أسمي هذا غرور الأنية واغترارها. الحب أقرب بكثير مما نتصور: إنه هنا، في داخلي ومن حولي، وما علي إلا أن أتنعَّم فيه. ولكن هيهات، هيهات! الحب لا يأتي ولا يذهب، بل الإنسان، عندما يرتقي بنفسه، ويصفو بذاته، يكتشف وجهًا أسمى للحب. ولا فضل للأسمى على الأدنى هنا: الحيوان–الأم لا يقل أمومة عن الإنسان–الأم – فكلٌّ ضمن واقعه ومجاله.قد تكون ممارسة الجنس صلاة وعبادة، في حين أن ملازمة المعبد قد تكون شكلاً من أشكال العهر النفسي. بعض الناس يرتقون من حبِّهم لشخص إلى حبِّ الكون والوجود والحياة، ثم يعتبرون هذا الشخص شيئًا ثانويًّا، مجرَّد بوابة أو مفتاح لاكتشاف المحبة اللامتناهية في أنفسهم. ولكن، أليس هذا أبشع أشكال الكفر والأنانية ونكران الجميل؟! ألا إن المفتاح لا يقل أهمية عن الباب؛ وهذا بدوره ليس أقل شأنًا من القلعة – فالكل واحد. ولقد قال نيتشه يومًا: "في الحب الحقيقي تغلِّف النفس الجسد." أعتقد أن هذا "العارف" لم يختبر حبًّا حقيقيًّا، لأنه، في الحب، يصبح الكل واحدًا. من يقول: "أنا أحب"، يخطئ العبارة وتخطئه. هو الحب يفعل من خلال الأنا. تلك العبارة توحي بفعل إرادي. فانظروا في أنفسكم: هل أحبَّ أحدكم يومًا عن سابق إصرار وتصور؟! ولقد سألتْني يومًا: "هل تحبني؟" فأجبتها: "أنا الحب، فارتديني!" فقالت في خبث: "لا أستطيع، لأنك في جوفي!" فارتعشت أذناي طربًا، وراح قلبي يرتقص.
هفال يوسف
هفال يوسف