أنت تخلطين بين ( المطلقية مقابل المحدد ) وبين ( الواقعية مقابل المفهوم ).
الكليات ليست أشخاص ، ولكنها ليست مفاهيم ... إنها وجودات مطلقة.
مثلا ، هناك شيء مطلق نسميه ( المكان ) ، إنه ليس هنا وهناك ، ولكنه أيضا ليس مجرد مفهوم ذهني عائم أو وصفا تقنيا اختلقه العقل البشري ، إنه كيان كلي لا يمكن إدراكه بالحواس الجسدية وحدها ولكن يمكن الوعي به عبر إدراك القيم الوجودية المكونة للصور التي تلتقطها الحواس.
الاستعارة والمجاز والتشبيه تعني أن الوصف اللغوي ليس له معنى وجودي أصيل ، عندما تقول لشخص ( أنت كالأسد ) ، المعنى الذي تحمله الجملة هو الربط بين صفات تتعلق بالأسود وبين الشخص المقصود.
هذا المعنى يسمى ( خبر ) في البلاغة، أو ( قضية ) أو حكم منطقي في علم المعاني والدلالة.
لكن كلمة ( أسد ) لها معنى ذاتي ، هذه الكلمة ليست تشبيه بشيء ما ، إنها تدل على حيوان معين ، أي على ( ماهية ) أو نموذج كوني له وجوده القائم بذاته ( حتى ولو لم يكن هناك أسود متشخصة نراها بالحواس الخمس ).
الماهيات والكليات لها وجود ذاتي ومعنى خاص ، لا يعتمد على الصور المرصودة من العالم الخارجي.
القيم أيضا لها وجود ذاتي ومعانيها لا تتوقف على المستوى الظاهري ، بل على العكس لا يمكن أصلا إدراك القيم ظاهريا.
لا يمكن أن تشير إلى معنى ( المحبة ) الخالص من خلال حالة جزئية ، أولا لأن الحالة الظاهرية لا تتضمن ( تلازما وجوديا ) مع قيمة المحبة ، قد تكون تمثيلا أو توهم أو تأويل ذهني.
ثانيا لأن المحبة مطلق لا حدود له في الزمان والمكان ..
لذلك إن لم تحس بمعنى المحبة فلا فائدة من ملاحقته هنا وهناك في حالات جزئية تتعلق به ، وهكذا كل القيم ، مطلقة ، ولكنها موجودة.
وعلى النيقض من ذلك نجد أن الإنسان نفسه كشخص ليس له وجود إذا ما حللناه إلى عوامله التكوينية ، إنه خلطة من حالات جزئية للمحبة والرحمة والخير والشر والعقل ..... الإنسان ليس شيئا إلا القيم و( شوية حاجات فوق بعض ) تراكبت زمنيا وكونت هذا البناء.
الشخص هو الذي ليس له وجود حقيقي كامل ، ووجوده يعتمد على النسبية والتقييد.
السؤال الذي نطرحه هو : ماذا يكون المسيح ؟
أنت تقول ( هل هو شخص أم مفهوم ) ، حسنا ما الفرق بين الشخص والمفهوم ؟ هل الشخص كائن حقيقي له وعي ذاتي والمفهوم هو صفة خارجية غير واعية ذاتيا ؟ ماذا يعني أن نكون أشخاص ؟ أليس ذلك يعني أننا ( تشخصات ) لكيانات لامحدودة ؟