كيف لا تصبح مثل عدوك-جوي سليم - سايكوجين

كيف لا تصبح مثل عدوك-جوي سليم

  • بادئ الموضوع عضو سابق - 3467
  • تاريخ البدء
ع

عضو سابق - 3467

زائر - عضو سابق
كيف لا تصبح مثل عدوك-جوي سليم
1714319748566.png

أعتقد أن الشرّ، مثل كل شيء آخر في الوجود، ليس جوهراً. أي أنّ ليس هناك أشرار، بل أفعال شرّيرة فقط. وفي ما عدا اضطرابات الشخصية السايكوباتية، فإنّ معظم الأشخاص لا يرتكبون شرّاً بشكل إرادي أو واعٍ بكونه شرّاً، فغالبية المجازر والمذابح في التاريخ حصلت من أجل الإله أو من أجل "عالمٍ أفضل" -كلٌ على طريقته- أي بالمحصّلة من أجل رؤية خاصة للخير. وبنزع الجوهرانية عن الشرّ لدى الفرد (ناهيك عن الجماعات، إذ لا يمكن أن تتسم جدّياً جماعة كاملة أو مجتمع ما بالسايكوباتية)، يسهل البحث عن مسبّبات اقتراف الأذى.

سؤال "من أين يأتي الشرّ؟" استتبع إجابات فلسفية كثيرة منذ آلاف السنين. الجهل والنظرة المضلّلة إلى الخير مع الفلسفة الإغريقية، ثم الحرمان من الخير في المسيحية (في مناجاته يقول أغسطينوس: "كما أن الشرّ حرمان من الخير فإن الظلمة حرمانٌ من النور")، وصولاً إلى مفهوم "تفاهة الشرّ" الذي قدّم في القرن الماضي حجةً ضد اختزال الشرّ بعطبٍ ما أو بحالة خاصة، وبيَّن كيف أن ارتكاب الشرّ - مهما كبرُ - قد ينتج بالكاد عن سطحية الإنسان وغياب تفكيره، عن خوائه وعجزه عن إقامة حوار داخلي مع نفسه.

منذ بداية هذه الحرب، وأنا أفكّر بمصدر آخر للشرّ قلّما يُعطى المساحة نفسها في تشريح الأفعال الشرّيرة: الشعور الدائم بالمظلومية/ الغبن. تحديداً مفهوم الـ"ressentiment" الذي اهتمّ به نيتشه بشكل إستثنائي في "جينيالوجيا الأخلاق". يشكّل هذا المفهوم عنده ركناً أساسياً في ما يسمّيه "أخلاق العبيد" (أفضّل استخدام "أخلاق الضغينة"). حين تشعر أن مأساتك ومعاناتك تحتلّ مرتبةً أعلى من أي مأساة ومعاناة أخرى، حين تصدّق بلا ذرّة شكّ أنك "الضحية المطلقة" وأنّ الشرّ الذي وقع عليك هو شرٌّ مطلق لا يضاهيه شرٌّ في التاريخ، لا يطول بك الأمر كثيراً حتى تصبح وحشاً مكتملاً. حين تصبح الضغينة هي المحرّك الأوّل لأفعالك، تفقد في النهاية أي قدرة على التعاطف مع الآخرين، ولا يبقى من التعاطف لديك سوى شعورك بالإشفاق على نفسك.

كنتُ دائماً مقتنعة بأن شعور الإنسان الدائم بالمظلومية، بكونه ضحيّة شبه أنطولوجية، بأنه "مبعوص" بشكل جوهري من الآخرين والحياة، غالباً ما يقوده إلى ارتكاب الفظائع، لأنه ببساطة يمنح نفسه دائماً شرعيةً تكبح شكّه وشعوره بالذنب. ازدهر ذلك باعتقادي كثيراً في ظلّ صعود سياسات الهوية وعودة الشعبويات أيضاً، حيث يُختزل الأفراد والجماعات بمظلوميتهم ومعاناتهم، بـ"تروما" تاريخية، تمنحهم صكّ براءة كأنما ينزعهم من سنّ الرشد ويعيدهم إلى عالم الأطفال المغفورة ذنوبهم.



كيف لا تصبح مثل عدوّك؟
أعتقد البداية من هنا: لا تقع أبداً في حبّ مظلوميتك.

(رسم جنى طرابلسي)

تسجيل الدخول أو تسجيل لمشاهدة الروابط
 

أداب الحوار

المرجو التحلي بأداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، بحال مضايقة إستخدم زر الإبلاغ وسنتخذ الإجراء المناسب، يمكنك الإطلاع على [ قوانين وسياسة الموقع ] و [ ماهو سايكوجين ]
أعلى