سيد الأحجار السبعة
عابر الزمن الثالث
- المشاركات
- 883
- مستوى التفاعل
- 1,661
الأساس العلمي للتكوين والوراثة الجينية
يرتبط البنيان المادي والنفسي الخاص بالكائن الحي عبر العصور، بعلاقة ذاتية مع سلوك الكائن التفاعلي وتكيفه الطبيعي، وكذلك مع الهيئة المادية للأجيال التي سبقت ذلك الكائن في الوجود.
آمن الإنسان تاريخياً بمبدأ توريث الصفات ( من الأجناس إلى الأنواع ) ، ومن الأنواع إلى مجتمعاتها الفرعية، ومن المجتمعات إلى الأفراد ... واعتمد في ذلك الإيمان على "الملاحظات الموضوعية" للتشابه بين أفراد النوع الواحد ، والمجتمع الواحد ، والبيئة الواحدة ، والأسرة الواحدة أو القبيلة الواحدة ، وعلى تكرار هذا التشابه بشكل شبه دائم .
وعبر عشرات السنين من الخبرة الحياتية، ومن خلال الأحداث التي يراها آلاف الناس الذين يعرفهم ، يستنتج كل إنسان أنه كلما كانت الصلة أقرب بين الأفراد من حيث الوراثة والنسبة كلما كانت الصفات أقرب إلى التشابه والتطابق، كلما كانت الأنساب متباعدة كانت الصفات أقرب للتنافر.
وكل أمة على الأرض لها خصائصها الوراثية المميزة، ولكنها رغم ذلك تشترك جميعاً في نفس الخصائص العامة ل"الأمّة البشرية" ، يعني ذلك أن البشرية قد تكون أُسرة ضخمة جداً بدأت محدودة وتفرعت إلى آلاف الأسر عبر الزمن ، وتلك الأسرة هي ما يعتقد الإنسان أنه آدم وزوجه الذين ذكرا عبر القرآن الكريم والأناجيل والتوراة وأسفار التكوين ، إنسان ككل البشر، عاش على هذه الأرض، وتكاثر كما يتكاثر الناس على هذه الأرض ونشأت من تلك العمليات أجناس لا حصر لها.
في العصر الحديث تم البحث عن أسرار آليات التكون البيولوجي للكائن المادي ، كيف تتكون خلاياك التي تكوِّن جسدك ، من منظور الكون المغلق.
من رؤية تعتبر الكون مغلقاً على نفسه، تفسيره متضمن فيه، حتى تفسر طبيعة كائن معيّن ستحتاج لسبب ينتمي للطبيعة النسبية الحسوبة لهذا الكون ، وينتمي أيضاً للميكانيكا التي تحكم قوانينه ومنطقه ، هكذا ، تم البحث في الجسد عبر تجزيئه ، ليتواكب تصور التكوين الجسدي مع تصور التكوين الزمني الخاص بنيوتن والماديين الذين يستخدمون نفس مبادئ نظريته.
وبعد البحث عن آليات عمل الخلايا ، تم التوصل إلى الخريطة الكاملة لعضيات الخلية المكونة لتركيبها الجزيئي ، وكانت النواة الخلوية في المركز لدى الإنسان ، تتحكم عبر البروتينات المرتبطة بها بسائر عمليات الخلية الأخرى، وكانت هذه النواة تظهر كمجموعة من الخيوط الصغيرة حينما يخترقها التحليل المجهري ، وشيئاً فشيئاً تم التوصل لطرق تحلل تلك الخيوط ، أو لنقل تفك عقد الحبال الجينية ، التي يبدو أنها على الأرجح 46 حبلاً ، وتوجد على شكل أزواج ، كل حبل يتكون من مليارات العقد ، التي هي نتاج حركة الحبل المحورية حول نفسه وتكثفه في الخلية والنواة ، وحين تحليل البنية الكيميائية لهذه العقد فقد تبينت تركيبتها ، وطبيعة التفاعلات الداخلة في تكوينها ، من ناحية كيميائية محضة.
النماذج : المصفوفة التي تحكم العالم :
الماهية والفيزياء والوجود
كل مكان في فضاء الكون ، يسمح بوجود الكائن الزمني فيه بشكل سكوني ، وحينما يبدأ التآثر بينه وبين طاقة موجهة نحوه ، يبدأ بالظهور ... وقبلها كان ذلك الكائن ( الذرة – الخلية - الفايروس – الجسيم – الموجة – الكم الأول للكون ) موجوداً ولا يحتاج إلى أصل فيزيائي وبيولوجي ينتسبُ له.
لكنّ وجوده لم يكن "واقعياً" ، لم يكن "فعلياً" بالنسبة لك كراصد، حتى قمت بالتفاعل معه و"إضاءته" أو "جذبه".
فكر بجهاز الجوال خاصتك ، وبآلة الخياطة مثلاً ... عندما تقوم بتفكيكها إلى قطعها الأولية ، وتفكيك تلك القطع إلى المركبات الكيميائية والذرات التي تكونها. تماماً كمكعب مكون من 27 مكعباً أصغر منه منتشرة في 3 خانات في كل عمود من 3 أعمدة في كل صف من ثلاثة صفوف :
إن هذا المكعب لم يخلقه البشر ، ولم تخلقه أنت حينما صنعته ، كل ما في الأمر أنك جمعت المكعبات المكونة له في شكل هندسي مكعبي ( جمعت الأجزاء لتنتج المركب ) ، وعندما تفكر من أين جاء هذا الشكل ؟ هذا القالب الذي اتخذه المركب بعد تجميعك لأجزاءه ؟
لقد فعلت ذلك في الفضاء المحيط بعوامل جسمك ويديك ، هذا الفضاء يحتوي هذا الكائن، يحتوي "نظام التعريف" الخاص به والذي يعطيه قيمه وتركيبته الكونية، لكنه بالنسبة لك يوجد في الفضاء في حيز "الاحتمال"، وأنت جسدت الاحتمال فقط ولم تخلقه، حينما تفاعلت مع تكوينه الموجود في الفضاء الكوني (حين جمعت المكونات والأسباب التي يقتضيها تجسد الاحتمال) فاصبح وجوده فعلياً.
سواء خططت بقلمك أو بنيت سفينة فضائية أو خلية حية ، فإنك لم تخلق تلك الكائنات ، إنك فقط ساعدتها على الظهور من خلال تجميع أجزائها التي تقتضيها لتوجد في عالم المادة.
يمكنك مثلاً أن تنظر ليدك الآن ، وأن تتخيل كيف ترفع اصبعك ، وكيف سيكون شكل الأحداث المؤدية لذلك والنتيجة النهائية، أو تشعل ضوءً ما بعد تخيلك لاشتعاله كيف يكون. هذا الخيال دلك على وجود الحدث قبل تجسده مادياً ...
تجسد الحدث مادياً حين تكونت تناسبات تربطه بعلاقة نسبية مع الواقع النسبي الذي ينعكس على نظامك الحسي العصبي. فصار يوجد في هذا النظام جبرياً (واقعي) وهو مادة تماماً كتلك الأمور الموجودة في الكون المادي ولذلك يتفاعل معها.
وكذلك تصورك لوقوع شيء ما ... هب أنك تتخيل وقوع أمر يصعب تخيله ، مثلاً تخيلك لشكل المركبة الفضائية صعب ، وحينما ظهرت لعينيك أصبحت تعرف أنها حقيقة ، إن تصورك لمفهوم المركبة الفضائية صدق على خيالك وعلى ما وقع مادياً أمام عينيك ، وعلى كل المراكب الفضائية ممكنة الوجود وغير الممكنة. بغض النظر عن وقوعه فقد تصورت ما يستدعيه وجوجد المركبة من علافات ووحدات تكوينية .
قوانين الفضاء الفيزيائية نفسها تسمح بمثل هذا الترابط الكُتلي ، الذي يشغر هذا النطاق الفضائي ، وبنفس الوقت ، وبغض النظر عن وجود كتلة أو عدمها ، بإمكانك تصور مثل هذا المكعب وهو موجود في أي مكان وأي زمان عبر الكون ، وكذلك بإمكانك تصور عدد لانهائي من الأحجام والألوان وهي صفات متغيرة تلحق بماهية المكعب ... أما المكعب نفسه بوجوده الهندسي فهو ثابتٌ عبر الفضاء.
حتى إذا لم تكن هنالك كُتلة تشغر حيز المكان الفراغي الموجود أمامك ، بإمكانك التعرف إلى أن وجود المكعب في حال تجمع أجزاءه وتركبها بالطريقة المناسبة هو وجود ممكن في هذا الفراغ، والإمكان هنا يعني أنه احتمال قابل للتحقق عندما تتوفر العلل والمقتضيات المناسبة ، ولن تحتاج إلى برهان تجريبي لإثبات إمكان وجود المكعب في الفضاء أمامك ، يكفي تصوره أو تخيله.
بمعنىً آخر ، وجود هذا المكعب (و أي شيء آخر) في الكون محقق بغض النظر عن مدى تحققه بالنسبة لك كراصد، وهذا يعني أن كائناً مثل "العنقاء" له وجود في الكون، لكن ليس له وجود في مجال الرصد الخاص بك أنت شخصياً، أو في مجال الرصد الخاص ببيئتك (كوكب الأرض-العالم المحلّي)... إذن لا كائن منعدم الوجود تماماً، لكن طبيعة العلاقة بينك وبين الكائن هي التي تحدد وجوده من عدمه بالنسبة لإدراكك الذاتي.
إدراك الفرق بين الوجود الحقيقي في الكون، وبين وجود الموضوع في مجال رصدك أنت يعتمد على فهم الوجود من رؤية إدراكية خالصة، تتجاوز ما تتيح لك الفيزياء معرفته ، لأن الفضاء الذي يحتوي الكائن هو فضاء مجرد عن المادة ، يسمى بفضاء التجريد ، والعالم المادي (بكل قوانين الفيزياء التي يحتويها) هو احتمال واحد يشغر ذلك الفضاء ، من ضمن احتمالات لانهائية عن عوالم فيزيائية وغير فيزيائية أُخرى.
حينما يتم وضع خطة عسكرية أو اقتصادية ، يتم تمثيل الأحداث في نطاق فضاء افتراضي ، وكلمة افتراضي غير دقيقة هنا لأنه قابل فعلاً للتحقق التام إذا تجمعت مقتضياته وشروطه ، إنه نفس الفضاء الذي تحدث فيه المعركة ومسيرة الشركة والدولة ، ولكن اختلاف التطابق يعود لاختلاف تركيبة المكونات وتسلسلها. كذلك حين تصمم البناء.
الكشف عن فضاء التجريد
وجود النموذج في عالم المادة لا يمكن إثباته لراصد معين دون اختبار مباشر للنطاق المادي الممثل لذلك النموذج ، وهذا الاختبار يسمى بالمعرفة المادية الحسية.
ولكن وجود النموذج في فضاء التجريد ( المجرد عن المادة ) لا يمكن اختباره بالطرق المادية ، لأن الموجودات المادية تحكي عن تقييد مجال النموذج في نطاق مادي محدد بإحداثيات محلية ( هنا والآن في هذا الموقع المحلي ).
إذن عندما تريد أن تثبت وجود كائن بالمطلق، فهذا سيختلف عن محاولتك إثبات وجود كائن ضمن "مسارك الزمني الحالي والواقعي".
يمكن اختبار الوجود الماهوي للكيان بطريقة واحدة وهي (الإدراك التجريدي ) ودون ذلك لا مجال لمعرفة النموذج موضوعياً ، الكائن المادي دائماً يكون شاغراً لنموذج ماهوي ينتسب إليه، ومن دون أن يكون الكائن المادي متوافقاً مع نموذج معين فإنه يفقد معناه تماماً.
فإذا انتزعت مادة القلم من نموذج القلم وأبقيت على المادة وحدها لا يعود قلماً، لأنه تفكك عن نموذجه التكويني، وحتى أن القلم المحدد جداً في واقعك المحلي هو أيضاً نموذج ، لكنه يصدق على حالة منفردة، حيث تم تقييد النموذج الأصلي بقيد الموقع الذي يشغره في واقعك، فهو نوع من النماذج أيضاً ( المادة هي نموذج مكثف الوجود ومقيد الحدود ).
النموذج نفسه (هوية الكائن الوجودية) موجود ، سواءً رصدته أم لم ترصده في عالم المادة ، ورصدك له مادياً يعني تقييد الطاقة التي تتفاعل معها إدراكياً بالنموذج الذي ترصده.
الفضاء التجريدي يحمل المكعب، ولكن تجسيد المكعب مادياً معتمدٌ على مقدار اهتمامك والطاقة التي تبذلها لأجل ذلك ومدى فهمك للنموذج الذي تريد تجسيده وما هي الأدوات والنماذج التي ستستخدمها من أجل عملية التجسيد.
الوجود المجرد للمكعب يمكن إثباته بإدراك الماهية، الواقعة في فضاء التجريد (وليس في واقعك المحسوس ضمن مسارك الزمني بالذات) ، وهذه العملية تسمى بالتعقل وتسمى النماذج بالمعقولات عند الحديث عنها من حيث معرفة الإنسان بها ، مقابل المحسوسات المادية.
أي نموذج تتخيله أو تتصوره موجود في فضاء التجريد ، ولكن وجوده المادي يستلزمُ مقتضيات إضافية لكونه مجرداً ، ولذلك ليس كل ما تتخيله أو تتصوره موجود في عالم المادة لأنه ليس كل ما تتخيله أو تتصوره مناسب لنموذج هذا العالم الذي أنت فيه الآن وهو جزء متناهي الصغر من فضاء التجريد ، فما تريده أن يتحقق ضمن عالمك يجب أن يصدق عليه نموذج عالمك وليس الأمر كذلك بالنسبة لما يفوق عالمك ويتخطى إحداثياته نوعياً.
ربما يعترض البعض على تقديم نموذج مجرد عن المادة في إطار علمي ، ولكننا في النهاية لا نناقش موضوعاً مادياً بحتاً ، إنما نناقش تكوين الكينونة الزمنية للإنسان وهي أمر يتجاوز حدود المادة ، ولا يوجد تلازم بين هذا الأمر وبين النموذج المادي للعالم ، وافتراض أنه محصور في المادة هو نوع من العقدية المتطرفة في مجال علمي محايد ، وقد يقول البعض كيف يمكن التحقق التجريبي من شيء غير مادي ، وهنا أجيب أن التجربة أصلاً لا تثبت ولا تنفي أي شيء ، إنما هي توفر طريقة لإدراك النموذج المادي إدراكاً عقلياً وتجريدياً وهناك يحصل التحقق والحكم ، فإنك لا ترى الجينات في كل لحظة تتحدث بها عنها ( على سبيل المثال ). وهذا هو السبب في تقديم البرهان الفينومينولوجي على البراهين التجريبية المختبرية في علوم الكينياء.