الاكتفاء بالاطلاع
مريد جديد
- المشاركات
- 18
- مستوى التفاعل
- 1
في هذا الكون، توجد مستويات يصعب تخيّلها أو الحديث عنها بسبب تعقيدها، ولا يمكن مقارنتها بحجم المستويات المألوفة. لو تساءلت شخصيًا: ما هو أكبر شيء أستطيع أن أتخيله؟ ربما أتخيل أن الحوت الأزرق أو جبل إيفرست هما أضخم الأشياء في هذه الدنيا. والحقيقة هي أن هذا الكون المتعاظم يحتوي على نجوم وأجرام ومجرات يصعب على الخيال البشري تصورها أو الاقتراب منها..
وهنا نتساءل: ما هو أصغر شيء في هذا الكون نستطيع أن نتخيله؟ لو سألت شخصًا، ربما يقول لي إن أصغر شيء هو حبة رمل أو بكتيريا، ولكن ما يوجد في الكون أصغر من ذلك بكثير. عندما وصل العلم إلى مستوى الذرة، بقي الباب مفتوحًا لاكتشاف ما هو أصغر من الذرة. يعني هذا أن لكل شيء صغير ما هو أصغر منه. لكن هل يوجد حد لهذه السلسلة التي لا تنتهي؟ حد يمنع العلم من الاستمرار وتقف الفيزياء والخيال والعقل البشري عنده؟ بما أن مقدمة المقال وضعت حدًا، لنبحر معًا أيها القارئ لنصل إلى “حائط بلانك”، حيث تصطدم الفيزياء والعلم بتعقيد لا يمكن تجاوزه..
قديماً، كان الاعتقاد السائد أن أصغر شيء وأدق شيء هو الذرة. ولتخيل حجم الذرة، فهي أصغر 100,000 مرة من كل ما نراه بالعين المجردة. واستمر هذا الاعتقاد حتى اكتشف العلماء ما هو أصغر من الذرة.
الجسيمات دون الذرية
عندما بدأ العلماء في تفكيك الذرة، اكتشفوا وجود جسيمات أصغر بكثير، مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات. لكن لم يتوقف الأمر هنا، فقد اكتشفوا أن هذه الجسيمات نفسها تتكون من جسيمات أصغر تُسمى “الكواركات”. وهكذا بدأت رحلة العلم في البحث عن أصغر وأدق مكونات الكون. يشبه الأمر تفكيك كعكة الشوكولاتة لاكتشاف أنها تتكون من فتات شوكولاتة أصغر، ثم نكتشف أن الفتات يتكون من جزيئات أصغر، وهكذا دواليك حتى نصل إلى تساؤل: هل نحن نأكل الشوكولاتة، أم أن ..؟
مبدأ عدم اليقين
في عالم ميكانيكا الكم، لا يمكننا معرفة كل شيء بدقة. إذا عرفنا موقع جسيم ما، لا يمكننا معرفة سرعته بدقة، والعكس صحيح. هذا المبدأ، الذي اكتشفه هايزنبرغ، جعل العلماء يدركون أن هناك حدودًا لما يمكننا معرفته عن الكون. وكأن الكون يقول لنا: “يمكنكم الاقتراب، لكن ليس أكثر من ذلك!” تخيل أنك تحاول معرفة مكان قطتك في المنزل، ولكن كلما اقتربت منها، تختفي وتظهر في مكان آخر. هذا هو حال الجسيمات في ميكانيكا الكم، وكأنها تلعب معنا لعبة الغميضة.
حائط بلانك
عندما نتحدث عن “حائط بلانك”، فإننا نتحدث عن أصغر وحدة قياس ممكنة في الكون. طول بلانك يساوي حوالي متر. لفهم هذه المعادلة وتبسيطها، تخيل أنك تقسم قطعة حلوى إلى عدد لا يحصى من الأجزاء الصغيرة جدًا، حتى يصبح كل جزء صغيرًا لدرجة أنك لن تستطيع رؤيته بالعين المجردة. هذا يعني أنه أصغر بمليارات المرات من نواة الذرة. عند هذا المستوى، تصبح قوانين الفيزياء كما نعرفها غير صالحة. كل شيء يصبح غامضًا وغير مفهوم، وكأننا وصلنا إلى حدود المعرفة البشرية. تخيل أنك تحاول فهم فيلم معقد جدًا، لكن بدون ترجمة أو صوت. هذا هو “حائط بلانك”، حيث يصبح كل شيء مجرد ضبابية..
الكون المتعدد
بعض العلماء يعتقدون أن هناك أكوانًا متعددة، وكل كون له قوانينه الخاصة. إذا كان هذا صحيحًا، فإن “حائط بلانك” قد يكون مجرد بوابة لعوالم أخرى. تخيل أنك تفتح بابًا وتجد نفسك في كون آخر تمامًا، حيث القوانين الفيزيائية مختلفة تمامًا. هذا يجعل “حائط بلانك” ليس فقط نهاية المعرفة، بل بداية لمغامرة جديدة..
الخاتمة
عندما نتحدث عن حائط بلانك، نحن لا نتحدث فقط عن الفيزياء، بل عن الفلسفة والخيال أيضًا. كيف يمكننا فهم شيء لا يمكننا رؤيته أو قياسه؟ كيف يمكننا تصور شيء يتحدى كل ما نعرفه عن الكون؟ ربما يكون حائط بلانك هو تذكير لنا بأن الكون أكبر وأعقد مما يمكننا فهمه، وأن هناك دائمًا المزيد لاكتشافه. وكأن الكون يقول لنا: "لقد فهمتم جزءًا صغيرًا مني، لكن هناك المزيد من المفاجآت في الطريق!"
إن «عصر بلانك»، حيث تختبئ نشأة الكون، وأيضاً نشأة قوانين الطبيعة كلها، لا يُصدِر أي إشعاع. كما أن الناحية النظرية، لا تسمح حتى بوضع تصوّرٍ لما يمكن أن ينتظرنا «هناك»! إن «حاجز بلانك»، هو الحاجز الذي يحدّ معلوماتنا عن الكون في الوقت الحاضر. وعلى الرغم من شدّة قرب هذا الحاجز من الهدف، فإنه يستحيل علينا أن نتجاوزه! فهل سنبقى نجهل كل شيء عن «اللحظة صفر»، أو عمّا حصل قبل ذلك؟ أم أن المستقبل، الذي نأمله قريباً، سوف يكشف لنا ماذا يوجد في «الجهة المقابلة من الحاجز».
جدار بلانك هو حد المعرفة في الكون..!!
Planck wall is the limit of the knowledge of the universe..!!