هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[2] هو عدد القراءات المتبقية

الناسوت والوجود ...

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
656
مستوى التفاعل
1,326
الموقع الالكتروني
alkynilogy.blogspot.com
0140323a0f1a8e8244a5fa366dca3387--universe-art-cartoon-network.jpg
يسمح الجسد بتقييد الإدراك، وربطه حصراً بالموضوعات المتلقاة من البيئة ، وضمن حدودها الظاهرية ، وهذا ما يجعل الجسد سبباً في نسيان للحقيقة، والعالم الأكبر، وهذا ما تشير إليه كلمة "إنسان\ناسوت".

التركيز على موضوع محدد بانقطاع عن معناه في الوجود الأكبر، عدم محاولة إدراك الباطن، التركيز على الانطباع الناتج عن التجربة التي تمر بها الكينونة ، بانفصال عن الوجود الحقيقي ما وراء الانطباع، كل هذه الأمور تؤسس إلى نسيان الحقيقة والوجود الأكبر، ومن هذه النقطة بالذات ينشأ "كيان الإنسان".

من أجل هذا يتقيّد وجود الإنسان بالزمكان المحدد لتجربته التي يختارها، ومع ذلك ، فإن ذات الإنسان الحقيقية ونفسه، اللتان لا يدركهما باقيتين، غير قابلتين للفناء، وهو لا يعلم ذلك لأنه منشغل طوال الوقت بالتفاعل مع البيئة المحدودة، وبالوجود في قوقعة انعكاسه الموضوعي الذي يرى فيه نفسه من خلال تفاعله مع البيئة،

العلوم والفلسفات التي تبدأ من إدراك الإنسان للعالم تسير في خط تراكمي، لأنه يدرك جزئية واحدة في كل مرة، ولا يريد أن يدرك موقعها في الخلفية الكونية، المستوى العميق من تمثّلها الحاضر إلى حواسه ... طريقة المعرفة الإنسانية ستولد دائماً نفس الأشكال المعرفية، التي تنطوي على خصائص هامشية في معرفة الوجود مثل التراكمية ، والموضوعية، والتسجيل، والقياس، والإحصاء، والارتياب، والتفكيك.

الإدراك في حدود المستوى الإنساني عاجز تكوينياً عن التواصل مع المستويات الأعلى والأكثر سعة من الوجود الأكبر، ولا يستطيع إلا أن يتفاعل مع نمط معين من المعطيات، لأنه يبدأ بطريقة معكوسة: إنه يبدأ من الظاهرة، ثم يحاول فهم ما وراءها من خلالها عوضاً عن تجاوزها مباشرة أو ردها إلى حقيقتها الوجودية، وهذا يعني أن المعرفة المبنية على الإدراك الإنساني هي "الظن".

المعرفة الإنسانية تحاول بناء نموذج ذهني تصوري يحاكي الوجود الحقيقي ،ً بالاستناد على مجموعة المعطيات المتاحة ظاهرياً، والمعرفة البادية من الإدراك الإنساني هي نفسها "المعرفة الظنية" ولكن بعد تطبيق القواعد الصارمة عليها تصبح "ظنوناً منهجية" ، فيتم تصنيف هذه الظنون بحسب متراجحات وبروتوكولات معينة واعتماد أكثرها كفاءة ودقة، فالعلوم الموضوعية الإنسانية لم تخرج بعد عن دائرة "الظن".

التطور الحضاري البشري يسير في اتجاه تراكمي لجزئيات صغيرة يحققه الإنسان، معتقداً أنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى "تركيب عظيم" له وظائف خارقة تستطيع تجاوز العالم الطبيعي، ولكن الحقيقة أن ما يفعله الإنسان من خلال ملاحقة الجزئيات هو "تعزيز صفة الناسوت" وكل تلك الجزئيات التي يحققها الإنسان عبر الزمن كانت موجودة دائماً وأبداً وكانت متاحة له دون أن يتعب نفسه في مناهج صارمة وعمل مجهد للوصول إليها، فالجوال مثلاً هو "بناء كوني"، تسمح به قوانين الوجود، وطبيعة الكون، وجذوره التكوينية موجودة في مستوى الوجود النفسي-الروحي، يمكن أن تتوجه النفس مباشرة إلى معناه وتختبره، أو تجسده زمنياً، دون أن تعيد تركيبه واقعياً بطريقة جزئية نقطية.

هل هذا يبدو صعباً ؟ إنه كذلك لأن الإنسان غير معتاد عليه، ولأنه يستمر في تعزيز صفاته الناسوتية التي تحدد قدراته.

الإدراك النفسي متحرر من الخط التتابعي للمعطيات، فهي تدرك فيضاً من المعرفة عبر الكون، وهذا يجعلها قادرة على فهم العلوم والقوانين الخاصة بعمل الجوالات خلال لحظة واحدة (حدث واحد) في ميقات الزمن النفسي.

حقائق قد تكون مؤلمة، ولكننا كبشر، فعلياً لا نحقق أي تقدم بالمعنى الصحيح، نحن نتوه زمنياً في حلقة مفرغة، وكل ما نعتقد أننا نخترعه إنما نعيد اكتشاف تكوينه الموجود في ذاكرة الكون فحسب، ربما بعض الدول تتقدم حضارياً إذا ما قورنت ب"دول أخرى" ولكن ليس إذا ما قورنت بالزمن نفسه، الدائرة الكبرى لأمة البشر، بالمقارنة مع دوائر الوجود، لا تحقق أي تقدم علمي أو حضاري، لأن التقدم الحقيقي ليس في مزيد من الاختراعات .. حضارة البشر تختبر فيضاً لانهائياً من جزئيات كان يمكن اختبارها بطرق أخرى أكثر حرية.

التطور الروحي للإنسان يسير أيضاً في حلقة مفرغة، ما يعتقده الناس الذي يؤمنون بأنهم سيعيشون بعد الموت هو أن تجاربهم الحالية ستنتقل معهم إلى حياتهم الجديدة، وهذا صحيح نوعاً ما، وسيستمر ذلك حتى تتراكم حصيلة التجارب وتجعل منهم كائنات قوية جداً ومتقدمة جداً.

حسناً هذا صحيح، ولكن هل هو "مُجدي" هل هو "قيم ؟...

ما الذي يجعل الحياة قيمة ؟ مزيداً من قدرة الأنا على التحكم بالوجود والتمتع به ؟ مزيداً من قدرتها على أن تكون "عاقلة وحكيمة" ؟ هل المحور هو "وجود الأنا" أم أن هذه الأنا يجب تسخيرها لما هو "قيّم حقاً" ؟

التطور مطلوب بلا شك، ولكن ليس كغاية نهائية، لأنه حينها سيكون عبثياً، هناك هدف للوجود، وحالة التركيز على الجزئيات والحياة الشخصية والوجود الشخصي (بما في ذلك المستوى الروحي منه) يحجب إدراك "القيمة النهائية للوجود" والتي يسعى الكون والحياة إليها، وهي بالتأكيد ليست مجرد الاختبار اللانهائي لمجموعة منتهية من أنماط التجارب والأحداث.

الحقيقة أن هذا "التراكم الخطي" للتطور الروحي لم يكن له داع من الأساس، لو كان هناك إخلاص حقيقي، فعند الإخلاص لا داعي للبحث عن "بناء شخصيتك الكونية" ولكن عن "بناء علاقة قيّمة بالكون والحياة والوجود" وبالتالي مع الله.

الإدراك البشري يقيد النفس في تجارب محدودة جداً من حيث الزمان والمكان، لكن لو وجد الإنسان طريقة للتحرر من نقطية الإدراك، بحيث يتجاوز حدود الجسد ويتفاعل مباشرة من مستوى الوجود النفسي، يمكنه حينها أن يمر بكل تجارب البشر أو يدرك حقيقتها الجوهرية دفعة واحدة، يمكنه أن يفهم كل شيء من جوهره، دون اختباره لأن الاختبار يهدف في النهاية إلى كشف الجوهر، ووقت الاختبار ينقضي بالكامل في "التمتع بالتجربة" وليس الوصول للحقيقة، التي تحدث في لحظة واحدة.

الحقيقة أصلاً ليست شيئاً جزئياً حتى يتم تعلّمه من الاختبار اللانهائي للحياة.

الوصول إلى الحقيقة هو نهاية الحياة، ولا يمهد إلا لمرحلة أعلى في الوجود .. وليس للبقاء في نفس هذه المرحلة.

تقبل نهاية الحياة نهاية مطلقة، ليس بعدها عودة للحياة مرة أخرى، هو ما سيفتح باب التحول الروحي الحقيقي، إنه المعنى العميق لبطاقة الموت ، فطالما أنك تتوقع مستقبلاً فلن تستطيع تجاوز حدودك في الزمن.

لأن توقع المستقبل سيجعلك تبني حاضرك من هذا المنطلق، وتنشغل عن القيمة بالبقاء.

المدارس الروحية التي تدّعي أن الروح تتطور في كل جيل ، لم تدرك المعنى الحقيقي ل"عَجلَة الزمن" أو الكارما، ولا الفرق بين الروح والنفس في الوجود الخالص وبين الروح والنفس في الحالة البشرية، وبطريقة معينة، إذا استطعت أن تتصور نفسك متصلاً بالحقيقة مباشرة، فأنت لا تحتاج إلى التعلم من تجاربك أو الاعتماد على خبراتك المسبقة، بل على العكس، إن هذه التجارب والخبرات ستشكل حملاً زائداً على الروح.

عندما تتعرض لموقف معين و"تستخدم مفاهيمك وذاكرتك" المختزنة في نفسك، سواء بقصد وشعور أو تلقائياً، فأنت بنفس الوقت "تقولب المشهد" بإطار تأويل يعتمد على ذاكرتك، ولا تدركه بصورته الحقيقية، وهذا يمنع الاتصال بالحضور، ويقيد الإدراك والفعل ب"الهوية الأنانية"، فطالما أن مرجع اتخاذ القرار هو "الأنا" وليس الوجود، فستحتاج إلى الخبرات والتجارب المتراكمة، ليس لأنها ضرورية ولكن لأنك لا تدرك الحقيقة وعليك أن تستخدم طريقة تكيفيّة تطورية حتى تحافظ الأنا على بقائها وازدهارها.

نعم هذا صحيح إلى حد بعيد، أنت لا تحتاج للتطور المتراكم في خط زمني مستمر من أجل تحرير روحك أو تجاوز العالم ... أو إنهاء المعاناة. التطور الحقيقي يحدث في لحظات مفاجئة وقليلة، تلك التي تتخلى فيها عن قيود الهوية السابقة من أجل "القيمة" عوض محاولة بناءها مراراً ومراراً، وتحقيق ذاتك في وجود عبثي تكون هي مركزه الوحيد.

أن تعود إلى الوجود الحقيقي وإلى المشهد الحقيقي، وتقرر وتتفاعل من هناك، هذا لن يطوّر وجودك الموضوعي ولن يحافظ عليه ، بل على العكس، سيجعلك تتوجه نحو مركز "وجودي" يتجاوز الأنا، ولكنه سيحررك منها.

هناك مساراً للتفاعل الروحي مع الزمن :

المسار الأول هو تركيز طاقة الروح من أجل بناء كينونة موضوعية مسيطرة تستطيع السيادة على الوجود الموضوعي والتمتع به بتجارب إنسانية (محددة زمكانياً) وهذا يعتمد على إدراك الإنسان أنه أعمق وجودياً من أن يتبع للبيئة الخارجية، وهذا التوجه هو الغالب على المدارس الماسونية، والروحانيات الشرقية.

المسار الثاني هو "تحرير الروح" من القيود الزمكانية التي تربطها بالوجود الموضوعي، إنها لا تحتاج أصلاً إلى محاولة فرض السيطرة عليه ، أو محاولة الانفصال عنه، ولكن إلى العودة للذات الحقيقية وللوجود الحقيقي، حيث تكون كاملة من الأساس، لا تحتاج إلى إضافات أخرى لتكتمل.

يمكن للإنسان بما هو "وعي" أن يقرر أي المسارين يختار.
 

أداب الحوار

المرجو التحلي بأداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، بحال مضايقة إستخدم زر الإبلاغ وسنتخذ الإجراء المناسب، يمكنك الإطلاع على [ قوانين وسياسة الموقع ] و [ ماهو سايكوجين ]

مواضيع مشابهة

ع
الردود
0
المشاهدات
541
عضو محذوف 759
ع
أعلى