القصص و الحكايات

المزيد من مواضيع chie

chie

ناسك الارض الجديدة
المشاركات
778
مستوى التفاعل
2,324
المجموعة الاولى
قال راهب للسيد البوذا مرة: "هل تنجو نفوس الأبرار من الموت؟"

لم يُحِر البوذا جواباً، على عادته.

لكن الراهب ألحَّ. فكان كل يوم يكرِّر السؤال عينه وكان كل يوم يجاب بالصمت، حتى نفد صبره. فهدد بالرحيل إذا لم يلقَ جواباً على هذا السؤال المصيري، إذ في سبيل ماذا يضحي بكل شيء ليعيش في الدير إذا كانت نفوس الأبرار تفنى مع أجسامهم؟"

إذ ذاك تكلم السيد البوذا، وقد أخذته الرأفة بالرجل، قال: "إن مثلك كمثل رجل يحتضر من جراء إصابته بسهم مسموم. لقد جاء ذووه سريعاً بطبيب لإسعافه، لكن الرجل رفض أن يُنزَع السهم من جسمه قبل أن يجاب على ثلاثة أسئلة حيوية: أولاً، هل كان الرجل الذي أصابه رجلاً أبيض أم أسود؟ ثانياً، هل كان طويلاً أم قصيراً؟ وثالثاً، هل كان من طائفة البراهمة أم من المنبوذين؟"

وعَدَل الراهب عن الرحيل!
.
.
.
.

2-
وقع المحارب الياباني في أسر أعدائه وألقي في السجن. وفي الليل لم يغمض له جفن، إذ كان واثقاً أنه سيُعذَّب في الصباح التالي.

إلا أن كلمات معلِّمه ما لبثت أن خطرت بباله: "ليس الغد حقيقياً. الحقيقة الوحيدة هي الآن."

بذلك عاد إلى الحاضر واستغرق في النوم.
.
.
.
.


3-
سأل الراهب: "هذه الجبال والأنهار والأرض والنجوم كلُّها – من أين جاءت؟"

فقال المعلم: "وسؤالك – من أين جاء؟"
.
.
.
.
.

4-
كان كاكُوا أول ياباني يدرس الزِنْ في الصين. لم يسافر البتة. بل تأمَّل بدأب وحسب. وكان كلما وقع عليه الناس وسألوه موعظة يقول بضع كلمات ويهرب إلى موضع آخر من الغابة حيث لا يزعجه أحد.

وإذ عاد إلى اليابان سمع به الإمبراطور وأمره أن يعظ في البلاط. وقف كاكُوا صامتاً عاجزاً. ثم أخرج ناياً من بين ثنايا ردائه، وعزف عليه نغمة قصيرة واحدة، ثم انحنى باحترام أمام الإمبراطور، وتوارى.
.
.
.
.
.
.


5-
ذات يوم أرسل معلِّم الزِنْ مو نَنْ في طلب تلميذه شوجو وقال: "لقد شختُ يا شوجو، وأنت من سيواصل من بعدي هذا التعليم. إليك هذا الكتاب الذي انتقل من يد معلِّم إلى يد آخر عبر سبعة أجيال. لقد أضفت أنا نفسي إليه بعض الشروح التي ستجدها – ولا ريب – قيِّمة. هاك، احتفظ به علامة على أني جعلتك خليفتي."

فقال شوجو: "خير لك أن تحتفظ بالكتاب لنفسك. لقد أخذت عنك الزِنْ دون معونة كلمات مكتوبة وإني لجدُّ راضٍ بأن يظل الأمر على هذا النحو."

أجابه مو نَنْ بحلم: "أعرف، أعرف. مع ذلك فإن هذا الكتاب قد خدم سبعة أجيال وقد يكون عوناً لك أنت أيضاً. إليك، احتفظ به."

ولقد اتفق أنهما كانا يتحدثان قرب الموقد. وفي اللحظة التي مسَّ فيها الكتاب يد شوجو رمى به إلى النار. لم تكن به شهوة للكلمات المكتوبة.

أما مو نَنْ الذي لم يُعرف عنه من قبل قط أنه غضب فقد صاح: "لابد أنك أحمق! ماذا تفعل؟"

وردّ شوجو صائحاً: "بل أنت هو الأحمق! ماذا تقول؟"
.
.
.
.
.
.
.
.
.


6-

سأل التلميذ المعلم مرة: "ما هو البوذا؟"

أجاب: "العقل هو البوذا."

وفي يوم آخر سئل السؤال نفسه فأجاب: "لا عقل. لا بوذا."

أشكِل الأمر على التلميذ. "لكنك قلت منذ أيام: العقل هو البوذا."

قال المعلم: "كان ذلك لكي يكفَّ الرضيع عن البكاء. وعندما يكف الرضيع عن البكاء أقول: "لا عقل. لا بوذا".
.
.
.
.
.
.
.

7-
تلقى اللاما الأكبر للشمال نداءً عاجلاً من اللاما الأكبر للجنوب يسأله راهباً حكيماً تقياً لتلقين الرهبان المبتدئين أصول الحياة الروحية. وأمام دهشة الجميع أرسل اللاما الأكبر خمسة رهبان بدلاً من راهب واحد. وللمستفهمين عن الأمر كان يجيب إجابة ملغوزة: "سنكون محظوظين إذا وصل واحدٌ منهم إلى اللاما."

كان الفريق في طريقه منذ بضعة أيام عندما لحق بهم رسول راكضاً وقال: "لقد مات كاهن قريتنا. نحتاج إلى من يحلُّ محلَّه." بدت القرية مكاناً مريحاً، وكان أجر الكاهن محترماً، فأخذت أحد الرهبان نخوة رعوية بالقوم وقال: "ما أنا ببوذي إذا لم أبقَ لخدمة هؤلاء القوم." وهكذا تخاذل.

بعد بضعة أيام أخرى اتفق لهم أن نزلوا قصر أحد الملوك الذي أعجِبَ بواحد من الرهبان، فقال له: "ابقَ معنا، ولسوف أزوِّجك ابنتي. وعندما أموت سوف تخلفني على العرش."

انجذب الراهب إلى بريق المُلْك، فقال: "أية طريقة أفضل للتأثير على شعب هذه المملكة من أن أصير ملكاً؟ ما أنا ببوذي إذا لم أنتهز هذه الفرصة لخدمة مصالح الدين." وهكذا تخاذل هو الآخر.

مضى باقي الرهبان في طريقهم. وفي إحدى الليالي فوجئوا في منطقة كثيرة التلال بكوخ منفرد تشغله فتاة جميلة قدمت لهم الضيافة وشكرت الله على إرسال الرهبان إليها. فقد قُتِل ذووها على أيدي لصوص الجبال وبقيت وحيدة يملؤها الجزع. وفي صباح اليوم التالي، عندما حان وقت الرحيل، قال أحد الرهبان: "سوف أبقى مع هذه الفتاة. فما أنا ببوذي إذا لم أمارس الرحمة."

وصل الراهبان الباقيان أخيراً إلى قرية بوذية فوجدا – ويا للرعب – أن جميع القرويين قد ارتدُّوا عن دينهم ووقعوا تحت نفوذ فقيه هندوسي. قال أحد الراهبَيْن: "إني أدين لهؤلاء الناس وللسيد البوذا نفسه أن أبقى بين ظهرانيهم وأستعيدهم للدين."

وصل الراهب الخامس أخيراً إلى لاما الجنوب.
.
.
.
.
.
.
.
.


8-
في قرية للصيادين حبلت فتاة سِفاحاً، وبعد أن ضُرِبت ضرباً مبرحاً اعترفت أخيراً أن والد الطفل هو معلِّم الزِنْ القاطن عند أطراف القرية.

تقاطر القرويون إلى بيت المعلِّم، وعكَّروا بفظاظة صفو تأمله، متَّهمينه بالنفاق، وأمروه أن يحتفظ بالوليد. أما المعلِّم فكل ما فاه به كان: "جيد جداً، جيد جداً."

ثم أخذ الطفل واتفق مع إحدى نساء القرية على إرضاعه وإلباسه ورعايته على نفقته.

ساءت سمعة المعلِّم وأعرض عنه جميع تلاميذه.

بعد مضي عام على ذلك، لم تعد الفتاة التي أنجبت الولد قادرة على التحمل فاعترفت أخيراً أنها كذبت وأن والد الطفل هو ابن الجيران.

ندم القرويون أشد الندم. وركعوا عند قدمي المعلِّم يلتمسون صفحه ويسألونه استرداد الطفل. ردَّ المعلِّم إليهم الطفل. وكل ما فاه به كان: "جيد جداً، جيد جداً."
 
-9
كان معلم الزن ريونان يعيش حياة بسيطة في غرفة صغيرة عند سفح جبل.وفي أحد الأيام دخل مساءً إلى غرفته لص. واكتشف عدم وجود ما يمكن سرقته في الغرفة وفي هذه اللحظة عاد ريونان ليجد اللص في وسط الغرفة. فقال للص: "لقد قطعت مسافة طويلة لتزور منزلي. ولا يمكنك العودة فارغ اليدين، من فضلك خد ثيابي هدية" صعق اللص لهذا الكلام. وأخذ الثياب وذهب بهدوء. جلس ريونان بعد ذلك عارياُ يتأمل القمر. وقال لنفسه: "مسكين هذا الرجل، كنت أود أن أهديه هذا القمر الساحر.

.
.
.
.
-10
"كان بوذا ينقل تعاليمه إلى مجموعة من التلاميذ عندما اقترب منه رجل وأهان ، بقصد مهاجمته.
قبل توقع الحاضرين ، كان رد فعل بوذا مع الهدوء المطلق ، لا يزال صامتا وصامتا.
عندما غادر الرجل, سأل احد التلاميذ بوذا - الذي استهجن هذا السلوك - لماذا ترك هذا الغريب يسيء معاملته بهذه الطريقة.
أجاب بوذا بهدوء: "إذا أعطيتك حصانًا لكنك لا تقبله ، فلمن هذا الحصان؟"
. أجاب الطالب بعد تردد: "إذا لم أقبلها ، فستظل لك"..
هز رأسه وشرح ذلك, على الرغم من أن بعض الأشخاص قرروا قضاء وقتهم في إعطائنا الإهانات ، إلا أنه يمكننا اختيار ما إذا كنا نريد قبولهم أم لا, كما سنفعل بأي هدية أخرى. "إذا أخذتها ، فأنت تقبلها ، وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فإن الشخص الذي يهينك يبقي الإهانة في أيديهم". "
.
.
.
-11

بعد عشرة سنين من التلمذة ، وصل تينو الى رتبة معلم زن ، وفي يوما ممطر ' ذهب لزيارة الحكيم المشهور نان إن ،
وعندما مشى لداخل ، رحب به الحكيم ثم سأله " هل تركت نعليك و المظلة في المدخل ؟ "

تينو رد " بنعم " ، ثم أكمل الماستر " قلي هل وضعت مظلتك إلى يسار نعليك أم اليمين ؟ "

تينو لم يعرف الإجابة ، ثم أدرك أنه لحد الآن لم يحقق الوعي الكامل ( في هنا و الآن ) ،
ولذا أصبح تينو تلميذ للمعلم نان إن ، ودرس على يده لما يزيد عن عشرة سنوات .
 
-12

كُلْ ثمرتك أنت

شكى أحد التلاميذ ذات مرة:
"إنك تروي لنا قصصاً، لكنك لا تكشف لنا أبداً عن معناها."

فقال المعلم:
"ما قولك لو قدم لك أحدهم ثمرة ومضغها قبل أن يعطيكها؟"


ليس بوسع أحد أن يجد عنك معناك.
ولا حتى المعلم.

.
.
.
.
.
.
-13
صار نصر الدين كبير وزراء الملك. وذات يوم، فيما كان يتجول في أنحاء القصر، رأى صقراً ملكياً.

لم يكن نصر الدين قد رأى قط حمامة من هذا النوع قبلئذٍ. وهكذا تناول مقصاً وقلَّم مخالب الصقر وجناحيه ومنقاره.

"الآن تبدو طائراً مهذباً،" قال. "لابد أن سيِّدك كان يهملك."

"أنت مختلف، فالغلط فيك!"

مساكين رجال الدين، لا يعرفون غير العالَم الذي فيه يقبعون، ولا يتعلمون شيئاً ممّن يخاطبون.

.
.
.
.
-14
الإبرة

أنعم الله على أحد الأولياء بموهبة النطق بلغة النمل. فدنا من نملة يبدو عليها أنها من أرباب العلم وسألها: "ماذا يشبه العليّ القدير؟ أيشبه من وجه ما معشر النمل؟

أجابت النملة العالمة:
"العليّ القدير؟ قطعاً لا. عندنا، معشر النمل، على ما ترى، إبرة واحدة. أما هو تعالى فعنده اثنتان!"


استطراد من وحي القصة:

عندما سئلت النملة العالمة عن الجنة ماذا تشبه، أجابت بوقار: "هناك سوف نكون مثله تماماً، لكل منا إبرتان اثنتان، إنما أصغر فحسب."

ومايزال جدال مرير محتدماً بين مذاهب الفقه حول تحديد مكان الإبرة الثانية تحديداً دقيقاً على الجسم السماوي للنملة.
.
.
.
.
..
15-
البحث عن الحمار

تولى الناس الذعر إذ رأوا الملاّ نصر الدين معتلياً حماره يكرّ عبر أزقة القرية.

"إلى أين القصد يا ملاّ؟" سألوه.

"أفتش عن حماري،" قال الملاّ وهو يمرق مسرعاً بجوارهم.


شوهد معلم الزِنْ رنْـزَيْ يفتش عن جسمه. الأمر الذي صار موضوع تندُّر مريديه غير المستنيرين.

حتى إن المرء يصادف أناساً يفتشون بجدية عن الله!

.
.
.
.
.
.-16
الروحانية الحقة

سُئِل المعلِّم: "ما الروحانية؟"

قال: "هي ما يفلح في حمل المرء على التحوُّل الداخلي."

"فإذا طبَّقتُ المناهج المنقولة المأثورة عن المعلمين، أليس هذا التطبيق روحانية؟"

"إنه ليس كذلك إذا لم يؤدِّ غرضه من أجلك. فليس الدثار دثاراً إذا لم يدفئك."

"فالروحانية تتغير إذن؟"

"تتغير الحاجات بتغير الناس. فما كان روحانية يوماً، لم يعد كذلك. إن ما ينضوي تحت اسم روحانية عموماً هو سجلّ المناهج السالفة ليس إلا.


.
.
.
.
.
17-
السمكة الصغيرة

"المعذرة،" قالت سمكة البحر. "أنت أسنّ مني وأخبر. فهلا أخبرتني أين أجد ذلك الشيء الذي يسمونه البحر؟"
ردت السمكة الأسنّ: "البحر هو ما أنت فيه الآن."
"إيه، هذا؟!" إنْ هذا إلا ماء. ما أريد هو البحر،" قالت السمكة الخائبة وهي تسبح مبتعدة لتفتش في مكان آخر.


قَدِم على المعلِّمَ بزيّ سنّياسي. وكلَّمه بلغة السنّياسي*: "سنوات وأنا أطلب الله. طلبته في كل مكان قيل إنه فيه: على قمم الجبال، في الصحراء الشاسعة، في صمت الصومعة، وفي أكواخ الفقراء."

"وهل وجدته؟" سأل المعلِّم.

"لا،لم أجده. وأنت، هل وجدته؟"
ماذا كان بوسع المعلِّم أن يقول. كانت شمس المساء ترسل سهاماً من النور الذهبي داخل الغرفة. وكانت مئات من عصافير الدوري تزقزق فوق شجرة بَنْيان قريبة. كان بمقدور المرء أن يسمع جلبة السير على الطريق آتية من بعيد. وكانت بعوضة تئزّ منذرة ببدء غارتها… ومع ذلك استطاع هذا الرجل أن يجلس هناك ويقول إنه لم يجد الله.
وما هي إلا برهة حتى غادر خائباً ليفتش في مكان آخر.

* كلمة سنسكريتية تعني من زهد في الدنيا وترهّب طالباً التحقق الروحي. (المترجم)

.
.
.
.
.18
هل سمعت ذلك الطائر يغني؟

صاغت الهند الهندوسية صورة بديعة لوصف علاقة الله بالخلق. إن الله "يرقص" الخلق. الله هو الراقص والخلق رقصته. الرقصة مختلفة عن الراقص، غير أن لاوجود لها بدونه. ليس بمقدورك أن تحملها إلى البيت في علبة إذا راقت لك. فما إن يكف الراقص عن رقصه حتى تنعدم الرقصة.

في طلبنا لله نفرط في التفكير، ونفرط في التفكُّر، ونفرط في الكلام. وحتى عندما ننظر إلى هذه الرقصة التي ندعوها الخلق، نفكر، نتكلم (مع أنفسنا ومع الآخرين)، نتفكر، نحلل، نتفلسف طوال الوقت. كلمات، كلمات… ضجيج، ضجيج …

البث صامتاً وشاهد الرقصة. انظر فحسب: نجمة، زهرة، ورقة شجر ذابلة، طائر، حجر … أي جزء من الرقصة يفي بالغرض. أنظرْ. أصغِ. شُمَّ. المِسْ. ذُقْ. وبعونه لن يطول بك الأمر حتى تراه … الراقص نفسه!

كان التلميذ دائم التشكّي لمعلِّمه: "إنك تحجب عني سرّ الزِنْ الأعظم." وما كان ليقبل إنكار المعلم.

ذات يوم، بينما كانا سائرين على التلال، سمعا طائراً يغني.

"هل سمعت ذلك الطائر يغني؟" قال المعلِّم.
"نعم،" قال التلميذ.

"حسن. فأنت تعلم الآن أني لم أحجب عنك شيئاً."

"نعم."


لو أنك سمعت حقاً طائراً يغني، لو أنك رأيت حقاً شجرة … لعرفت. فيما يتعدى الكلمات والتصورات.

ما الذي قلت؟ سبق لك أن سمعت عشرات الطيور ورأيت مئات الأشجار. آه، هل كان ما رأيت هو الشجرة أم الاسم؟ إذا نظرت إلى شجرة فرأيت شجرة، فأنت لم تر الشجرة حقاً. أما إذا نظرت إلى شجرة ورأيت معجزة، إذ ذاك، أخيراً، فقد رأيت! أفما امتلأ قلبك قط بذهول لا يوصف إذ سمعت طائراً يغني؟


.
.
.
.
.
.
19-


أقطع الحطب!

عندما بلغ معلم الزِنْ الاستنارة كتب السطور التالية احتفاء بذلك:

"يا للروعة المذهلة:
أقطع الحطب!
أسحب الماء من البئر!"


بعد الاستنارة لاشيء يتغير حقاً. ماتزال الشجرة شجرة، والناس تماماً هم ما كانوا من قبل، وكذلك أنت. قد تظل على ما كنت عليه من تقلب المزاج أو هدوء الطبع، من الحكمة أو الحمق. الفرق الواحد هو أنك ترى الأشياء بعين مختلفة. أنت أكثر زهداً بكل شيء الآن. أما قلبك فملؤه العجب.

ذلك جوهر المشاهدة: حس العجب.

المشاهدة تختلف عن الجذب في أن الجذب يؤدي إلى الانسحاب. أما المشاهِد المستنير فيواصل قطع الحطب وسحب الماء من البئر. المشاهدة مختلفة عن الإدراك الجمالي في أن إدراك الجمال (لوحة أو غروب) يولِّد سروراً جمالياً، بينما تولِّد المشاهدة عجباً، أكان الشيء المشاهَد غروباً أم حجراً.

بذلك يمتاز الأطفال. إنهم أغلب الوقت في حالة عجب. لذا فهم يسران ما ينسلّون في الملكوت.


20-
أعواد الخيزران

أقعى براوني، كلبنا، ينظر إلى أعلى الشجرة، منتصب الأذنين، يبصبص بذيله المشدود. كان يراقب قرداً. ما من خاطر كان يشتِّت تركيزه التام، ما من اهتمام بالغد. لقد كان براوني أقرب ما رأيت طوال حياتي إلى التأمل الخالص.

لعلك اختبرت شيئاً من هذا بنفسك عندما كنت منهمكاً تماماً في مراقبة قطة تلعب. هي ذي صيغة للتأمل، لا تقل جودة عن أية صيغة أخرى أعرفها: كن بجملتك في الحاضر.

تخلَّ عن كل فكرة تتعلق بالمستقبل، وعن كل فكرة تخص الماضي، أهمِلْ كل صورة وكل تجريد، وتعال إلى الحاضر. لحظتئذٍ ينبثق الاستغراق!

بعد سنوات من التدريب، توسل التلميذ إلى معلمه أن يهبه الاستنارة.
اصطحبه المعلم إلى أيكة خيزران وقال: "أوترى هذه الخيزرانة، كم هي طويلة؟ أوترى تلك الأخرى، كم هي قصيرة؟"

واستنار التلميذ من فوره.


يحكى أن البوذا مارس كل أنواع الزهد المعروفة في الهند في زمانه، مجاهداً لبلوغ الاستنارة. ولكن بدون جدوى. وذات يوم، فيما هو جالس تحت شجرة بودهي حصلت الاستنارة. ولقد نقل لتلاميذه سرّها بكلمات لابد أنها تبدو غريبة لغير المسارَرين: "عندما تشهقون شهيقاً عميقاً، يا رهبان، عُوا أنكم تشهقون بعمق. وعندما تشهقون شهيقاً ضحلاً، يا رهبان، عُوا أنكم تشهقون بضحالة، وعندما تشهقون شهيقاً متوسط الحجم، يا رهبان، عُوا أنكم تشهقون شهيقاً متوسط الحجم." الوعي. الانتباه. الاستغراق.

هذا النوع من الاستغراق يلاحظه المرء عند الأطفال الصغار.
ما أقربهم من الملكوت!

.
.
.
.-21

أجراس المعبد

شُيِّد المعبد على جزيرة ونُصِب فيه ألف جرس. أجراس كبيرة وأخرى صغيرة، صاغها أمهر صناع العالم. فعندما كانت تهب ريح أو تثور عاصفة كانت كل الأجراس تجلجل في سيمفونية ينخطف لها قلب المستمع طرباً.

لكن الجزيرة ما لبثت على كرّ القرون أن غرقت في البحر، والمعبد وأجراسه معها. بيد أن أسطورة قديمة تروي أن الأجراس ظلت تجلجل بغير انقطاع بحيث يمكن لكل من يود الإصغاء أن يسمعها. استلهم شاب هذه الأسطورة وارتحل آلاف الفراسخ، عاقداً العزم على سماع هذه الأجراس. جلس أياماً على الشاطئ، مواجهاً الجزيرة المتوارية، مصيخاً السمع بكل قوته. لكن كل ما استطاع سماعه كان صوت البحر. وبذل قصارى جهده لكي يبعده، إنما بلا جدوى، إذ بدا صوت البحر غامراً العالم.

وظلّ على دأبه أسابيع. وفي كل مرة يدبّ التخاذل في قلبه كان يصغي لشيوخ القرية يتكلمون متلذذين على الأسطورة الغامضة.
وإذ ذاك كان قلبه يتقد ... ليعود مثبط الهمة من جديد عندما لا تورثه أسابيع من مزيد الجهد غير الخيبة.
قرر أخيراً التخلي عن المحاولة. فلعله غير مقدَّر له أن يسمع الأجراس. ولعل الأسطورة لم تكن صحيحة. كان ذلك يومه الأخير، فذهب إلى الشاطئ ليودِّع البحر والسماء والريح وأشجار جوز الهند. استلقى على الرمل، وللمرة الأولى أصغى إلى صوت البحر. وسرعان ما بلغ من الاستغراق في الصوت حداً كاد معه يغيب عن نفسه، من فرط عمق الصمت الذي ولّده الصوت.

ومن عمق ذلك الصمت، سمعه! ‍رنين جرس ضئيل تبعه آخر، ثم آخر، وآخر… وسرعان ما كان كل من الأجراس الألف يجلجل بتناغم، وانخطف قلبه في غبطة الوَجْد.


أوتتمنى سماع صوت أجراس المعبد؟ ألا اصغِ إلى صوت البحر.

أوتتمنى أن تلمح وجه الله؟ ألا أمعن النظر في الخليقة.

.
.
.
.
.
-22

الوثن البشري

قصة هندوسية قديمة:

قذف الموج تاجراً نجا من الغرق على شاطئ سيلان حيث كان فبهيشانا ملكاً على الغيلان. فعندما رآه فبهيشانا استطار قلبه فرحاً وقال: "آه! إنه ليشبه إلهي راما تمام الشبه. صورتهما البشرية هي هي." ثم ما عتم أن أمر بأن تُخلع على التاجر ثياب وحليّ نفيسة واتخذه إلهاً.

يقول الروحاني الهندوسي الكبير راماكرشنا: "لدى سماعي هذه القصة للمرة الأولى شعرت بمسرة لا توصف. إذا كانت عبادة الله ممكنة في صور من الطين، أفلا يُعبد بالحري في الناس؟"
.
.
.
.
.
23-

التفتيش في الموضع الخاطئ

وجد أحد الجيران نصر الدين جاثياً على يديه وركبتيه.

"عم تفتش يا ملاّ؟"

"عن مفتاحي."

وسرعان ما تجمع رهط من الجيران على الركب يشاركون الملاّ التفتيش. حتى قال الجار الأول وقد أعياه البحث: "أين أضعته؟"

"في البيت."

ربّاه! ولِمَ تفتش هنا إذن؟"

"لأن الضوء هنا أقوى."


ماذا يجديني نفعاً أن أفتش عن الله في الأماكن المقدسة وقد أضعته في قلبي؟

فتِّش عن الله حيث أضعته.

.
.
.
.
.
-24

السؤال

سأل الراهب: "هذه الجبال والأنهار والأرض والنجوم كلها - من أين جاءت؟"

فقال المعلم: "وسؤالك من أين جاء؟"


فتِّش في الداخل!

.
.
.
.
.25


الوِرْد

عاد الصوفي من الصحراء. قيل له: "أخبرنا، ماذا يشبه الله؟"

ولكن أنّى له أن يخبرهم ما اختبره في قلبه؟ وهل يُحشَر الله في كلمات؟

أخيراً رأى أن يلقنهم ورداً - ما أبعده عن الصحة، وما أقصره عن التعبير - لعل بعضهم يغريه أن يختبر الأمر بنفسه…

لكنهم تلقفوا الورد. جعلوه نصاً مقدساً. فرضوه على غيرهم كمعتقد مقدس. واحتملوا مشقات نشره في البلاد الغريبة. حتى إن بعضهم بذل حياته من أجله.

حزن الصوفي. لعله كان من الخير لو لم يقل شيئاً.

.
.
.
.
.-26
المستكشف

عاد الرحالة المستكشف إلى قومه، الذين كانوا تواقين لمعرفة شيء عن الأمازون. ولكن أنّى له أن يعرب بكلمات عن المشاعر التي فاضت في قلبه حين رأى الأزهار الغريبة وسمع أصوات الليل في الغابة، حين أحس بخطر الحيوانات المفترسة، أو جدّف بقاربه عبر منحدرات النهر الغادرة؟

قال لهم: "اذهبوا واكتشفوا بأنفسكم." ثم رسم لهم خارطة للنهر ترشدهم. أما هم فقد انقضوا على الخارطة، وأطّروها في دار البلدية، ثم استنسخوها. فكل من امتلك واحدة لنفسه ظن نفسه خبيراً بالنهر. أليس يعرف كل منعطف وانحناءة فيه؟ أليس يعرف مقدار عرض النهر وعمقه؟ أليس يحفظ غيباً أماكن الانحدار فيه ومواضع الشلالات؟


يقال إن البوذا كان يمتنع بإصرار عن الانسياق إلى الكلام على الله.

أغلب الظن أنه كان عالماً بمخاطر رسم الخرائط للمستكشفين النظريين.

.
.
.
.
.
.27


توما الأكويني يتوقف عن الكتابة

يروى أن توما الأكويني، واحد من أحذق اللاهوتيين في العالم، توقف فجأة عن الكتابة. وعندما شكا إليه أمينُ سرِّه بأن عمله لم يكن قد انتهى بعد، أجاب: "أيها الأخ ريجنالد، لقد اختبرت منذ بضعة شهور شيئاً عن المطلق، بحيث أن كل ما كتبت في حياتي عن الله يبدو لي قبض الريح."

كيف يمكن أن يكون الأمر على غير ذلك حين يصبح العالِم رائياً؟

عندما انحدر الصوفي من الجبل بادره الملحد قائلاً بتهكم: "ماذا جلبت إلينا من جنّة المسرّات التي كنتَ فيها؟"

أجاب الصوفي: "كنت أنوي ملء إزاري أزهاراً أقدمها لأحبائي لدى عودتي. لكني إذ كنتُ هناك سكرتُ بعبير الجنة فأفلت الإزار."


يعبِّر معلِّمو الزِنْ عن ذلك بإيجاز بليغ: "العارف لا يتكلم، المتكلم لا يعرف."

ويقول أبو يزيد البسطامي: "أبعد الخلق من الله أكثرهم إشارة إليه."
.
.
.
.
.
28

الدرويش المتوجِّع

كان أحد الدراويش جالساً بسلام قرب النهر، حين رأى عابرُ سبيل قذالَه المكشوف واستسلم لإغراء صفعه صفعةً مدوية. ولقد امتلأ عجباً من صوت كفِّه على الرقبة المكتنزة، لكن الدرويش المتوجِّع هبّ واقفاً ليردّ له الصفعة.

"رويدك ،" قال المعتدي. "تستطيع صفعي إن شئت. إنما أجبني أولاً على هذا السؤال: هل كان صوت الصفعة ناجماً عن يدي أم عن قذالك؟"

قال الدرويش: "أجب عن ذلك أنت. إن وجعي لن يسمح لي بالتنظير. بوسعك أن تهتم بذلك لأنك لا تحس بما أحس."

عندما يُختبَر الإله يتناقص إلى حد كبير نزوع المرء للتنظير.

.
.
.
.
.
-29

الشيطان وصديقه

ذهب الشيطان مرة في نزهة مع صديق له. فأبصرا أمامهما رجلاً ينحني ويلتقط شيئاً من الأرض.

سأل الصديق: "ماذا وجد هذا الرجل؟"

فقال الشيطان: "قطعة حقيقة."

سأل الصديق: "أفلا يزعجك ذلك؟"

فأجابه الشيطان: "لا. فسوف أدعه يجعل منها معتقداً."


المعتقد الديني شاخصة تشير إلى الطريق إلى الحقيقة. عندما تتشبث بالشاخصة تحول دونك والسير قُدُماً نحو الحقيقة لأنك تظن أنها بحوزتك أصلاً.
.
.
.
.
.
-30


مات نصر الدين

كان نصر الدين فلسفي المزاج: "الحياة والموت - من يستطيع أن يقول ما هما؟" وسمعته عرضاً زوجه التي كانت مشغولة بالمطبخ فقالت: "كلكم سواء أيها الرجال، تفتقرون تماماً إلى الحسّ العملي. بوسع أيٍّ كان أن يقطع بأنه عندما تيبس أطراف المرء وتبرد يكون قد مات."

أعجب نصر الدين بحكمة زوجه العملية. وذات مرة، بينما كان خارجاً في ثلج الشتاء، شعر بيديه ورجليه تخصِر برداً. فخطر له: "لابد أني ميت." ثم خطر بباله خاطر آخر: "ماذا أفعل رائحاً غادياً وأنا ميت؟ ينبغي أن أكون ممدداً أرضاً ككل الجثث." وذلك ما فعل.

بعد ساعة من الوقت، إذ وقع عليه فريق من المسافرين على جانب الطريق بدؤوا يتجادلون فيما إذا كان حياً أو ميتاً. أما نصر الدين فكان يتحرق إلى الصراخ: "ألا ترون يا حمقى أن أطرافي باردة ويابسة؟" إلا أنه كان أوعى من أن يقول ذلك، إذ إن الجثث لا تنطق.

خلص المسافرون أخيراً أنه ميت، ورفعوا الجثة على أكتافهم وهم ينتوون نقلها إلى المقبرة للدفن. وما كادوا يبتعدون قليلاً حتى وصلوا إلى مفترق طريقين. وللحال نشب بينهم جدال شديد حول أي الطريقين تؤدي إلى المقبرة. احتمل نصر الدين منهم ذلك حتى نفد صبره. ثم استوى جالساً وقال: "عذراً منكم أيها السادة، لكن الطريق إلى المقبرة هي التي على شمالكم. أعلم أن الجثث لا تنطق، لكني خالفت القاعدة هذه المرة فقط وأعدكم بأن لا يحدث ذلك مرة أخرى."

عندما تصطدم الحقيقة بمعتقد صلب، فإن الحقيقة هي الخاسرة عموماً.

من جهة أخرى، فإن كون المرء حياً من الوجهة السريرية لا يعني أبداً أنه حيّ من الوجهة الإدراكية. والمنطق والفلسفة لن يجدياه فتيلاً في بلوغ الإدراك.

.
.
.
.
.
.31
عظام لامتحان إيماننا

استوقف أحد العلماء ذات مرة فقيهاً مسيحياً كان يعتقد بصحة حرفية الكتاب وقال له: "خُلِقت الأرض بحسب الكتاب قبل حوالى خمسة آلاف سنة. لكننا اكتشفنا عظاماً تشير لوجود الحياة على الأرض قبل مليون سنة."

فكان جواب الفقيه على رأس لسانه: "لما خلق الله الأرض قبل خمسة آلاف سنة، تعمَّد وضع تلك العظام لكي يمتحن إيماننا ويرى إن كنا سنؤمن بكلامه أم بالبرهان العلمي."


برهان آخر على أن العقائد الصلبة تقود إلى تشويه الحقيقة.
 
32
.
.
.
.
لماذا يموت الصالحون؟

كان واعظ القرية في زيارة لإحدى رعاياه المسنات، وحول فنجان قهوة كان يجيب على بعض الأسئلة التي تطرحها عليه الجدة.

سألت المرأة العجوز: "لماذا يبتلينا الرب بالأوبئة بين وقت وآخر؟"

فأجابها الواعظ: "حسناً. أحياناً يصير الناس من الشر بحيث يجب إزالتهم. لذلك يسمح الرب الصالح بنزول الأوبئة."

اعترضت الجدة: "ولكن إذا كان الأمر على ما تقول لماذا يُزال هذا العدد من الصالحين مع الطالحين؟"

"الصالحون منهم يُستدعون للشهادة. فالرب يريد لكل نفس محاكمة عادلة."


ما من أمر إلا ويستطيع صاحب المعتقد الجامد أن يجد له تفسيراً.
.
.
.
.
.
.
-33
المعلِّم لا يعرف

دنا الطالب من التلميذ وسأل باحترام: "ما هو معنى الحياة الإنسانية؟"

رجع التلميذ إلى مؤلفات معلِّمه وأجاب بثقة: "ليست الحياة الإنسانية إلا التعبير عن كرم الله."

وعندما توجَّه الطالب إلى المعلِّم بذاته بالسؤال عينه أجاب المعلم: "لا أعرف."


يقول الطالب "لا أعرف" من قبيل النزاهة. يقول المعلم "لا أعرف" من قبيل العقل الصوفي الذي يعرف الأشياء عبر اللامعرفة. يقول التلميذ "أعرف" من قبيل الجهل على هيئة معرفة مستعارة.

.
.
.
.
.
34-

حدِّق في عينيه

قال قائد قوات الاحتلال لعمدة القرية الجبلية: "نعلم أنكم تخبئون خائناً. فإذا لم تسلمه إلينا سوف نتحرش بك وبقومك بكل ما أوتينا من وسائل."

كانت القرية تخفي بالفعل رجلاً بدا صالحاً وبريئاً وكان محبوباً من الجميع. ولكن ماذا كان بوسع العمدة أن يعمل الآن وسلامة القرية في خطر؟ لم تؤدِّ أيام من المناقشات في مجلس القرية إلى نتيجة. لذا أخذ العمدة أخيراً الأمر على عاتقه مع الكاهن. وقضى الإثنان ليلة كاملة يفتشان في الكتب المقدسة حتى توصلا أخيراً إلى النص الذي يقول: "خير لكم أن يموت رجل واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة بأسرها." (
يوحنا 11: 50)

وهكذا سلّم العمدة الرجل البريء الذي تردد صدى صراخه عبر القرية وهو يُعذَّب ويُعدم.

بعد عشرين عاماً جاء القرية نبي وذهب مباشرة إلى العمدة وقال: "ويحك، ماذا فعلت؟ كان ذلك الرجل مرسلاً من الله ليكون مخلِّص هذه البلاد، وأنت أسلمته للتعذيب والقتل."

دافع العمدة عن نفسه قائلاً: "ولكن فيمَ أخطأت؟ لقد نظرت والكاهن في الكتب وفعلنا ما تأمر به."

أجابه النبي: "هذا ما أخطأتَ فيه. لقد نظرتَ في الكتب، وكان عليك بالحري أن تنظر في عينيه."


"خير أن يموت رجل واحد عن الشعب"، يقول الكتاب. وها نحن ننفذ كل يوم ما يقول الكتاب. "أحبب قريبك كنفسك"، يقول الكتاب أيضاً - حقيقة غالباً ما نتناساها.

.
.
.
.
.
.
-35

تعديل الكتب المقدسة

قال أحدهم للبوذا: "الأمور التي تعلِّمها، سيدي، لم أجدها في الكتب المقدسة."

"ضفها إذن عليها،" قال البوذا.

وبعد هنيهة صمت حرج مضى الرجل قائلاً: "هل لي أن أجترأ عليك سيدي فأقول إن بعض الأمور التي تعلِّم يناقض الكتب المقدسة فعلاً ؟"

فقال البوذا: "تحتاج الكتب إذن إلى بعض التصحيح."

*
اقتُرح في الأمم المتحدة أن تراجَع الكتب المقدسة لكل دين، وأن يُحذَف منها كل ما يقود إلى التعصب أو القسوة، وأن يُتلَف كل ما يسيء إلى كرامة الإنسان.

وعندما وُجد أن صاحب الاقتراح هو يسوع المسيح، اندفع المراسلون إلى محل إقامته. أما تفسيره فكان بسيطاً إذ قال: "الكتاب المقدس، كالسبت؛ فهو للإنسان، وليس الإنسان للكتاب المقدس."

.
.
.
-36

المحترفون

تولّى المحترفون أمر حياتي الدينية. فلكي أتعلم الصلاة أحتاج إلى مرشد روحي، ولكي أكتشف إرادة الله فيّ أستشير خبيراً في التمييز، ولكي أفهم الكتاب المقدس أستشير أستاذاً في الكُتُب، ولكي أعرف إذا كنت ارتكبت معصية أم لا أحتاج إلى لاهوتي اختصاصي في الأخلاق، ولكي أحصل على غفران معاصيّ أعترف أمام الكاهن.

أقام أحد الملوك المحليين في جزر بحر الجنوب مأدبة على شرف ضيف مميز من الغرب.

وعندما حان وقت الثناء على الضيف لبث جلالته جالساً على الأرض بينما راح خطيب محترف، كُلِّف خصيصاً للمناسبة، يمتدح الزائر.

بعد انتهاء المدائح همّ الضيف بالنهوض متكلماً. لكن الملك منعه بلطف قائلاً: "لا حاجة إلى نهوضك. فقد كلَّفتُ خطيباً لك أيضاً. ففي جزيرتنا، لا نترك أمر الخطب العلنية للهواة."


.
.
.
.
.37

الخبراء

حكاية صوفية:

عاد رجل ميت إلى الحياة فجأة وبدأ يقرع بشدة غطاء التابوت.

رُفع الغطاء وانتصب الرجل واقفاً وقال للحشد المتجمع: "ماذا تفعلون؟ أنا لست ميتاً."

قوبلت كلماته بإنكار صامت. أخيراً قال أحد المشيِّعين: "يا صاح، صدَّق الأطباء والكهنة جميعاً أنك ميت. فأنت ميت قطعاً."

ودُفن الرجل على ما ينبغي.


رحمك الله أيها الرجل الطيب!
ثمة أحياء كثر تدفنهم كل يوم غباوة موتى القلب والفكر. ومع ذلك يبقى الحيّ حياً - وإن دُفِن، ويبقى الميت ميتاً وهو في الحياة… حتى اليوم الذي تلمسه فيه الحياة.
.
.
.
.
.
38

حساء حساء البطة

جاء أحد أقارب نصر الدين زائراً جالباً معه بطة كهدية. وهكذا فقد طُهِي الطائر وأكِل مع الضيف.

وسرعان ما طفق زائر طفيلي في إثر آخر يعرِّج على بيت نصر الدين، وكل منهم يزعم أنه صديق صديق "الرجل الذي جاءك بالبطة"، متوقعاً بالطبع أن يُطعَم ويُقرى من جراء تلك البطة المنكودة الحظ.

أخيراً عيل صبر الملاّ، إذ قدم عليه ذات يوم رجل غريب قائلاً: "أنا صديق صديق قريبك الذي جاءك بالبطة." ومثل الآخرين جلس متوقعاً أن يُطعَم.

وضع نصر الدين أمام الغريب قصعة من الماء الحار . سأل الغريب: "ما هذا؟"

أجابه الملاّ: "هذا حساء حساء البطة التي جاءني بها صديقك."

يسمع المرء عن أناس يتتلمذون على تلاميذ تلاميذ إنسان اختبر الألوهة.

كيف يمكنك أن تكلِّف مرسالاً بتقبيل حبيبتك؟
.
.
.
.
.
.-39
تنين النهر

تلهّى كاهن القرية عن صلواته بصياح أولاد يلعبون قرب نافذته. فحتى يتخلص منهم صرخ فيهم: "هناك تنين رهيب عند سافلة النهر. أسرعوا إلى هناك فتروه ينفث النار من منخريه."

سرعان ما سمعت القرية بأسرها بهذه الظاهرة المرعبة واندفعت إلى النهر. وعندما رأى الكاهن ذلك انضم إلى الجمع. وبينما هو يلهث في طريقه إلى النهر الذي كان يبعد أربعة فراسخ خطر بباله: "صحيح أني أنا من اخترع القصة. ومع ذلك، من يدري؟"


إن خير الطرق للإيمان بالآلهة التي نخترع هو إقناع الآخرين بوجودها.

.
.
.
.
.
.
-40

ماء النهر للبيع

في ذلك ا ليوم، كانت عظة المعلِّم مؤلَّفة من جملة واحدة مبهمة.

إذ قال وهو يبتسم ابتسامة زوراء: "كل ما أفعل هو الجلوس عند ضفة النهر أبيع ماءه."

كنت شديد الانشغال ببيع الماء حتى إني لم أر النهر.

.
.
.
.
.
.-41


نصر الدين في الصين

ذهب الملاّ نصر الدين إلى الصين حيث جمع فريقاً من التلاميذ كان يُعِدُّهم للاستنارة. فما إن أصبحوا مستنيرين حتى كفوا في الحال عن الإصغاء لمحاضراته!

ليس مشرِّفاً للغورو أن تجلس إلى الأبد عند قدميه.

للقصة تتمة:

سافر فريق من أتباع نصر الدين السالكين من فارس إلى الصين، طالبين المزيد من الاستنارة، لكي يأخذوا العلم عنه. بعد المحاضرة الأولى استقبلهم.

سأله أحدهم: "لماذا يا ملاّ تحاضر في كلمتين يمكننا نحن، خلافاً لأهل الصين، فهمهما؟ إنهما نميدانام و هشملمنست! إنهما تعنيان بالفارسية "لا أعرف" و"لاأحد يعرف" ليس إلا."

أجابه نصر الدين: "وماذا كنت تريد أن أفعل بدلاً من ذلك – أمدِّد رأسي وأنام؟"

الكلمات ناقل للحقيقة. أو قل إن الحقيقة تُنقَل عبر تفاعل الكلمات مع فهم المستمع. غير أن الاستنارة تحدث بفعل "آلية" تبدأ من حيث تنتهي الكلمات.
 
-42
فرخ البط

يروي الولي الصوفي شمس الدين التبريزي عن نفسه هذه القصة:

منذ طفولتي وأنا أعتبَر ناشزاً. لم يفهمني أحد، حتى إن أبي نفسه قال لي مرة: "لست من الجنون بحيث توضع في بيمارستان، ولست من الاعتكاف بحيث توضع في دير. لقد أسقط في يدي في أمرك."

أجبت: "وُضِعت بيضة بطة مرة تحت دجاجة. وعندما فقست البيضة درج فرخ البط مع الدجاجة الأم حتى بلغا بركة. اندفع فرخ البط من فوره إلى الماء، بينما ظلت الدجاجة تقوقئ جزعة على اليابسة. وأنا، يا أبتِ العزيز، قد خضت في البحر المحيط ووجدت فيه موطني. فمالك تلومني إذا اخترتَ البقاء على البرّ؟"
.
.
.
.
43

دمية الملح

قطعت دمية من الملح آلاف الفراسخ براً حتى وصلت أخيراً إلى البحر.

ولقد افتتنت بهذه الكتلة الغريبة المتحركة التي لا تشبه البتة أي شيء رأته في حياتها من قبل.

"من أنت؟" قالت دمية الملح للبحر.

أجاب البحر مبتسماً: "تعالي وانظري."

وهكذا خوضت الدمية في الماء. وكلما مضت أكثر في البحر ذابت أكثر، حتى لم يبق منها غير القليل جداً. وقبل أن يذوب هذا الجزء الضئيل، هتفت الدمية مذهولة: "الآن أعرف من أنا!"


.
.
.
.
.
44

من أنا؟

حكاية من العطار النيسابوري:

قرع العاشق باب معشوقه. "من بالباب؟" قال المعشوق من الداخل.
"أنا"، قال العاشق.
"عد أدراجك. فهذا البيت لا يتسع لي ولك."

هام العاشق الخائب في الصحراء. هناك تأمل شهوراً متواصلة، متفكراً في كلمات المعشوق. وأخيراً عاد وقرع الباب مرة أخرى.

"من بالباب؟"
"أنت."

وانفتح الباب من فوره

.
.
.
.45


العاشق الثرثار

ألح عاشق في طلب الوصال شهوراً عديدة بلاجدوى، مقاسياً عذاب النبذ الفظيع. أخيراً لانت حبيبته فأرسلت في طلبه: "تعال إلى المكان الفلاني في الوقت كذا."

في ذلك الوقت وذلك المكان وجد العاشق نفسه أخيراً بجانب معشوقته. عندئذ مدّ يده إلى جيبه وأخرج منها حزمة من رسائل الحب كان كتبها لها خلال الشهور المنصرمة. كانت الرسائل ملتهبة، تعبِّر عن العذاب الذي شعر به وعن رغبته المتأججة لاختبار مباهج الحب والوصال. فبدأ بقراءتها لمعشوقته. مضت ساعة تلو الساعة وهو ما انفك يقرأ ويقرأ.

أخيراً قالت المرأة: "أي نوع من الحمقى أنت؟ كل هذه الرسائل عني وعن شوقك إلّي. حسناً ها أنذا جالسة معك أخيراً وأنت مستغرق في رسائلك الغبية."


يقول الله: "ها أنذا معك، وأنت لا تني يتفكر فيّ عقلك، وتتحدث عني بلسانك، وتفتش عني في كتبك. فمتى تسكت فتعاين؟"
.
.
.
.
.46

ترك الـ"أنا"

التلميذ: أنا جئت أقدِّم لك خدمتي.

المعلم: لو أنك تركت الـ"أنا" فإن الخدمة ستُقدَّم من تلقاء ذاتها.

بوسعك أن تفرِّق كل مالك لإطعام الفقراء وتقدِّم جسمك للحرق دون أن تكون لديك المحبة أصلاً.

احتفظ بمالك وتخلَّ عن الـ"أنا". لا تحرق جسمك، بل إنيَّتك، فتأتي المحبة من تلقاء ذاتها.

رأيتُ ربَّ العزّة في المنام، فقلت: "يا ربّ! كيف الطريق إليك؟" فقال: "دع نفسك وتعال." (أبو يزيد البسطامي)

.
.
.
.
.
47

اترك لاشيئك

التلميذ: جئتك ولاشيء في يديّ.

المعلِّم: اتركه فوراً!

التلميذ: كيف أتركه؟ إنه لاشيء!

المعلِّم : فاحملْه إذن أينما ذهبت!


يمكن لـلاشيئك أن يكون أثمن ما تملك.

قيل لأبي يزيد البسطامي: "بماذا نلتَ ما نلتَ؟" قال: "بلاشيء."
.
.
.
.
.
48

المسيحي ومعلم الزِنْ

زار مسيحي مرة معلِّم زنْ وقال: "هلا سمحت لي أن اقرأ لك بعض العبارات من العظة على الجبل؟"

فقال المعلِّم: "سأسمعها بسرور."

قرأ المسيحي بضع عبارات ورفع رأسه. ابتسم المعلِّم وقال: "أياً كان قائل هذه الكلمات فقد كان مستنيراً بحق."

سُرَّ المسيحي بذلك وتابع القراءة. قاطعه المعلِّم وقال: "تلك كلمات فاه بها مخلِّص للجنس البشري."

طرب المسيحي واستمر في القراءة حتى النهاية. عندئذ قال المعلِّم: "تلك العظة نطق بها إنسان يشعّ ألوهية."

لم تعد الدنيا تتسع لفرحة المسيحي. ثم انصرف، عازماً أن يعود ليقنع المعلم بأن يتنصّر.


في طريق عودته إلى البيت وجد يسوع واقفاً على جانب الطريق. فقال بحماس: "رابي! لقد حملت ذلك الرجل على الإقرار بألوهيتك!"

ابتسم يسوع وقال: "وأي خير جنيتَ من ذلك غير نفخ أناك المسيحية؟"

كتب غاندي: "إن لجميع الأديان الأخرى من المحبة في نفسي بقدر ما لديني الخاص منها. تماماً كما يجب علي أن أحب قريبي محبتي لنفسي. إنني أجِلّ عقائد الآخرين إجلالي لعقيدتي، والحال فإن أمر اعتناقي ديانة أخرى أمر غير مطروح."

.
.
.
.
.
.
49


الراهب والمرأة

كان راهبان بوذيان في طريقهما إلى الدير عندما لقيا امرأة بارعة الجمال عند ضفة النهر. كانت، شأنهما، تودّ عبور النهر، لكن الماء كان شديد الارتفاع. لذا رفعها أحد الراهبين على ظهره وعبر بها.

ولشد ما استفظع رفيقه الراهب الأمر، فظل ساعتين يوبخه على إهماله التقيُّدَ بالقاعدة. أفَنَسِي أنه راهب؟ كيف جرؤ على لمس امرأة؟ والأسوأ من ذلك أنه حملها عبر النهر؟ ماذا سيقول الناس؟ ألم يكن فعله مجلبة لسوء السمعة لدينهم المقدس؟ وهلمجرا.

استمع الراهب المذنب صابراً إلى العظة المطوَّلة. وأخيراً قاطعه قائلاً: "يا أخي، أنا قد أنزلت تلك المرأة عند النهر. أوماتزال تحملها أنت؟"

.
.
.
.
.50



الأزمة القلبية الروحية

كان العم طوم ذا قلب ضعيف وكان الطبيب قد أوصاه بلزوم الحذر. لذا عندما تناهى إلى الأسرة أنه ورث عن قريب له متوفى مليار دولار خافوا من تبليغه لئلا يسبب له الخبر أزمة قلبية.

لذا التمسوا مساعدة راعي الأبرشية الذي أكد لهم أنه سيجد طريقة لتبليغه. قال الأب مورفي: "قل لي يا طوم. لو اتفق أن أرسل لك الله، في رحمته، ملياراً من الدولارات، فماذا تراك كنت ستفعل بها؟"

"كنت سأعطيك نصفها، أبتِ، من أجل الكنيسة."

ما إن سمع الأب مورفي ذلك أصيب هو بأزمة قلبية!

عندما أصيب الصناعي بأزمة قلبية من جراء الترويج لإمبراطوريته الصناعية فقد سَهُل علينا أن نبيِّن له طمعه وأنانيته. أما عندما أصيب الكاهن بأزمة قلبية من جراء توسيع ملكوت الله فقد تعذَّر علينا أن نبيِّن له أن هذا طمع وأنانية في لبوس آخر أكثر احتراماً. هل تروِّج لملكوت الله أم لنفسك؟ الملكوت لا يحتاج إلى الترويج له. إن جزعك ليشي بك، أليس كذلك؟
 
نزل الملا نصر الدين جحا خوجة من على حماره و دخل منزله فجاءه رجل تخاصم مع أخيه وقصَّ على جحا مَا كان بينه وبين أخيه.. فقال له جحا:
أنت على حقٍ.. وأخوك مُخطئ..
وانصرف الأخ سعيداً.. وسعدت زوجةُ جحا بحكم زوجِها.. ثم طرق البابَ الأخُ الآخر وحكى ما كان بينَه وبين.. أخيه.. فقال جحا:
- أنتَ على حقٍ.. وأخُوك مُخطئ..
وانصرفَ الأخ الآخر سعيداً.. لكن زوجةَ جحا صرختْ في وجهِه غاضبة:
- كيف تقولُ لكلٍ منهما أنتَ على حقٍ وأخُوك مُخطئ..
هذا كلام غير معقول..
قال جحا في هدوء:
- لا تغضبي يا زوْجتي
أنتِ على حقٍ.. وأنا مُخطئ !..
 

أداب الحوار

المرجو التحلي بأداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، بحال مضايقة إستخدم زر الإبلاغ وسنتخذ الإجراء المناسب، يمكنك الإطلاع على [ قوانين وسياسة الموقع ] و [ ماهو سايكوجين ]

الأعضاء الذين قرؤوا هذا الموضوع [ 2 ]

أعلى