الاغتراب عن الواقع || منطلقات الماسونية الاغترابية || عودة الذات إلى وطن الحقيقة

مواضيع سيد الأحجار السبعة

سيد الأحجار السبعة

عابر الزمن الثالث
المشاركات
882
مستوى التفاعل
1,659
tree of the live 1.jpg
غاية الحياة الوحيدة هي "التطور" إلى اللانهاية، بالنسبة للعالم والفرد، تستدعي آلية التطور كسب العناصر المفيدة للتفاعل بين الفرد والعالم، وإزالة العناصر الضارة وغير المفيدة، وهذا التطور لن يتوقف عند حد معين، بل يجب أن يستمر بلا نهاية.

يطرح الماسوني "حنا أبي رشد" هذا المبدأ في مقدمة "دائرة المعارف الماسونية".

كل الكتّاب الماسونيين الرئيسيين ينطلقون دائماً من هذا المعنى كقاعدة لبناء نظرياتهم، ويعبر الكلمات في أهم الأعمال الماسونية والثِّيوصوفية الكلاسيكية ، إنه نقطة المركز لمدار مقولات "كشف الحجاب عن إيزيس" و"التعاليم السرية لكل العصور" و"القانون".

تعتمد النظريات العدمية والوجودية على هذا المبدأ كنواة لكل بنائها، مثل نظرية "الإنسان الخارق" و"البعث الأبدي" ، و"الوجودية الإنسانية" و"أسطورة سيزيف".

لنسمي هذا المبدأ ب"ازدواجية العدمية الوجودية والعبثية الإنسانية" أو مثنوية "التطور-العدم". ويمكن التعبير عنه في عبارتين :

1. الزمان العدمي : الوجود عديم القيمة والجوهر، والزمان هو حركة العدم الظاهرية.

2. الحياة العبثية : القيمة الوحيدة التي يمكن تحقيقها من خلال سرديات الزمان العدمي هي تجاهل العدم، وبالتالي تجاهل الواقع، وعيش حياة دون أساس أنطولوجي.

1737976382828.png
أتوسم بالقارئ اليقظ أن يلاحظ العلاقة الأسرية الحميمة بين "قيمة التطور" و"عدمية الحياة" في كل الكتابات العالمية، أن تكون الحياة عديمة القيمة، هو أن يكون التطور غاية الحياة، وقيمة التطور تتحقق ضمن حياة لا وجود جوهري لها، كما لو أن التطور هو "رفض" الاعتراف بعدمية الزمان الذي ليس له جوهر.

لو كانت الحياة قيّمة فما الذي عساه يجينه الكائن من السعي إلى التطور ؟

لو كان التطور غير مهم فما الذي سيكون مهماً ؟

_ العالم القيمّ غير العدمي سيكون قيّماً بذاته، ستكون قيمه جوهرية الوجود، سيكون المعنى حاضراً مطلق، وسيكون التطور (والحركة) فعلاً مشاكساً وعبثياً، وقد يكون مضاداً للقيم.

_ إن الفعل الوحيد الذي يمكن أن يكون له مغزى من أي نوع في حياة تعاش في زمن وهمي ليس له جوهر وحقيقة مطلقة ينبعث منها، لها هو "التطور" الدائم والحركة اللانهائية.

ولكن من أين يأخذ التطور مركزيته في الزمان العدمي ؟

في سيناريو العالم المكوّن عبر الزمان العدمي ستكون المعاني الحيوية (مثل "القيم" و"النور" و"الجمال" و"الحقيقة") غير جوهرية الحضور، ولا يمكن أن يلاحظها الوعي إلا كخصائص تنبثق من حالات زمنية ظاهرية بطريقة ما، سيتمكن الوعي من التعرف على القيم فقط من خلال رصده للكائنات الموضوعية التي تتجلى المعاني الحيوية عبر تفاعلاتها، مثل تجلي العدالة والتنظيم" في ظاهرة "المجتمع" وتجلي "الجمال" في ظاهرتي المرأة والطبيعة، وتجلي النور في ظاهرة "الأخلاق" وستكون الحقيقة معادلة للكشف عن حل لغز ظاهري، أي إكمال الظاهرة الناقصة.

عدمية العالم هي غياب القيم بذاتها، وانبثاقها من الظواهر الموضوعية بحيث تسبق الظاهرة القيمة في الوجود، ولا يوجد معنى اسمه "الحق بذاته" في الزمان العدمي، فالحق هو شرح للملابسات في ظاهرة معينة بحيث تتحول إلى ظاهرة اكثر وضوحاً وتنتفي الافتراضات مع زيادة وضوح الظاهرة، ولكن الحقيقة ليست ذات وجود مختلف عن الظاهر، أو غير قابل للظهور، أو أكبر من محض الظهور.

وكذلك هو معنى "الجمال" الذي سوف يكون غائباً في الزمان العدمي، ما دام لا يتصل بظاهرة مادية محددة لها خصائص مريحة وممتعة.

ومن دون بشر وأخلاق تمارس من قبل كائنات بشرية، فلا معنى للقيم النورانية مثل "الرحمة" و"الحكمة" و"القوة".

في الزمان العدمي، تنبثق القيم عن الظاهرة نفسها، بينما الجوهر الحقيقي لما يتحسس كقيم هو "ظاهرة جافة وميتة"، ولكن وعي الراصد يعطيها "معنىً ما" ، مثلاً : ظاهرة "إنسان شجاع يدافع عن إنسان ضعيف أمام حاكم ظالم"، إذا أخذت الصورة بحيزها الظاهري فإنها لا تحمل قيمة جوهرية. خصوصاً، إذا كانت عملية "تصوير مشهد تلفيزيوني" لشخصيات وهمية.

الحَكَم الفصيلي الذي يحدد هل القيم في الظاهرة جوهرية أم لا، هو مدى "واقعيتها" ، أي أن يكون هناك هو أكثر من حدود المشهد الظاهري، أن يكون هناك فعلاً شخص ينصر مظلوماً، ليس فقط بالنسبة للراصد الذي لا يعرف خلفية الموضوع، بل بالنسبة للوجود بحد ذاته، وهذا يعني أن الوجود الحقيقي المستقل عن الراصدين هو ما يعطي للظاهرة قيمة جوهرية.

إذا لم يكن هناك سبيل للوصول إلى "ما وراء حدود الظاهرة" ومعرفة حقيقتها بذاتها فستكون عدمية ما لم يعترف الوعي ذهنياً بطريقة ما بأن لها تأثيراً عليه ودلالة عنده، بنفس الطريقة : لا يمكن إعطاء قيمة لشيء لا تتبدى قيمته من ذاته، وهنا تأتي قوة الحقيقة.

والسؤال الذي يطرح نفسه على الوعي "إلى أي حد يمكن التحقق من واقعية الظاهرة" ؟

ماذا لو كان "كل العالم مشكوكاً فيه" ؟ أو بالأحرى ماذا لو كانت "عملية رصد العالم" تعاني من اعتلال جوهري يمنع إدراك الحقيقة دائماً ؟

ربما يصعب على المرء أن يشك ب"كامل العالم" من حيث المبدأ، ولكن حين يتذكر أنه لا يعرف العالم ، بل "يعرف العالم الظاهر له فردياً" والمبني على علاقته الخاصة بالعالم ورصده الخاص له، فسيتذكر أنه في الحقيقة لا يشك بالعالم بقدر ما يشكك في العالم الذي يعرفه، أو في ما يتبدى له، أو بالأحرى ، في هندسة الظاهر...

في ظل الزمان العدمي يكون الظاهر "كل شيء قابل للإدراك والرصد والتفاعل معه والحكم عليه"، مما يعني غياب القيم الجوهرية ما وراء الظاهرة، وحينها سيكون الشيء قيماً بقدر ما يعطيه الراصد قيمة تأويلية، ومن هذه النقطة بالذات تنشأ عدمية العالم.

وفي حال قرر الراصد أن يترك كل مجال ذهني للحكم على الأشياء، ويراقبها كما عليه بحد ظهورها، فسيجد أن العالم المادي المعزول عن القيم النفسية أصبح جافاً ومملاً وبائساً وتعيساً وبالكاد يمكنه الاختناق فيه بمنأى وأمان، كما لو تحولت جنة بيته إلى صحراء قاحلة وراءها صحراء كونية لا أمل فيها لنمو شجرة واحدة أو رؤية لون بهيج ذات يوم.

هو ذا كذلك العالم بحدود الظاهر ...

ومن هذا المنظور العدمي، كيف يمكن العيش في هذا العدم القاسي، دون التخلي عن الشيء الوحيد القيّم في الإنسان وهو "مشاعره وذاته" ؟ الحياة في الزمن العدمي بالنسبة لإنسان يرفض أن يكون محض آلة عضوانية ويرفض التخلي عن وعيه ممكنة في حالة واحدة وهي "نسيان حقيقة العالم" الجافة والقاسية، وهذا النسيان، الذي يمارسه كائن يشعر، من خلال بناء الحواجز بينه وبين الواقع الذي لا يريد أن يشعر به، والتي تتمثل في المجتمع الإنساني والحضارة الإنسانية والفنون والعلوم والثقافات والأرياف والمدن والزرائب وناطحات السحاب وهموم البروليتاريا ومطامح الرأسمالية وسائر "إلهاء الذات" اللانهائي عن أي مجال يصل مع "الغابة الجحيمية" التي تحيط به من كل جانب، هو بالضبط ما يسمى "التطور" وهو بالضبط ما يجعل الإنسان "يعيش في ذهنه" و"يغترب عن الواقع" و"يستمتع في الجحيم" إذا جاز التعبير.

الصمت يعني التذكر ...

الحركة المستمرة هي الفعل الوحيد الذي يسمح بالنسيان، النموذج الأعظم للحركة التي تساعد على النسيان هي الحركة التي تفتقد الهدف وتفتقد الدافع لو أمكن.

توقف للحظة واحدة عن التفاعل مع "عالمك الذهني" وستبدأ ذاكرتك بالتنفس.

توقف لساعة واحد وستجد أنك تذكرت الكثير الكثير من الأشياء التي فوتتها على نفسك، ومن الأمور التي يجب حقاً القيام بها هنا والآن.

توقف ليوم واحد وستجد أنك تذكرت كامل خط حياتك.

توقف لأسبوع واحد وستجد أنك كنت تعيش في الجحيم! ولكن لم تكن واعياً بذلك..

محاولة البحث عن "المتعة والسعادة" ستؤدي إلى محاولة الحركة وتجنب الصمت، والاستمرار في الحركة يهلي الكائن بالنتيجة والمسار، وهذا ما سيجعل الكائن يغترب عن الواقع والحقيقة.

أثبتت التجارب أن من الممكن للإنسان أن يتكيف مع أي نمط حياة وأي زمن مهما كان جحيمياً بالاعتماد على الحركة والنسيان، هل تذكر "العبيد" ؟

كان يقال لهم "سيتم إعدامكم اليوم" وكانوا يسيرون في الطوابير من أجل الإعدام، لم يفكروا بالمقاومة حتى، هل تعرف ما السبب ؟ إنهم مشغولون بالتفكير بالإعدام والسخط على الحياة وتحليل عقلية الظالم.

حتى تستمر الحركة، ومن أجل نسيان مزمن نموذجي وممتع، لابد أن تأخذ هذه الحركة طابعاً منظوماتياً وهندسياً فكرياً يجعلها "ماتريكس" تعطي مجالات جديدة وجديدة للحركة وتمنع أي محاولة للخروج عن سرديتها، التي توجد ضمن حدود الذهن وحده، وهذه الحركة الهندسية هي التي تسمى حديثاً ب"التطور".

تنبأ الكاتب المصري "عبد الوهاب المسيري" بأن مسير الحضارة الإنسانية يوجه الناس نحو "الجنينية" أو "النوسان الوجودي" ، يتوقف الوعي عن السعي نحو الاقتراب من الحقيقة وتعزيز الاتصال مع الوجود الحقيقي"، ولكنه يسعى نحو "مزيد من الانعزال عن الحقيقة" وفقدان المزيد من الملكات الطبيعية والاستعاضة عنها بالآلات والآخرين، وفقدان الاتصال بالوجود والعيش في الذهن مطلقاً، وذات يوم سوف يقطع التطور التقني للحضارة الاتصال بين "وعي الإنسان" و"العالم الواقعي" حتى من حيث الإحساس المادي، وسيعيش الإنسان في حدود ذهنه ويسلم وجوده المادي بالكامل ل"الوسيلة" وهي الآلات، ومن يسيطر عليها، وستخلو حياته من معالم التجربة الإدراكية الحيوية المباشرة، حتى تلك البسيطة والحيوانية مثل رائحة العرق وملمس الجلد الطبيعي.

ما تقوله الحضارة اليوم يطابق على كلام المسيري قبل 30-40 سنة، حين كان الذكاء الاصطناعي خيالاً علمياً بالنسبة للإنسان، ينحو الناس اليوم أكثر فأكثر إلى التخلي عن الجسد، وبالتالي عن الواقع المادي، نتيجة التطور المستمر، ولكن بمستوى أعمق، نتيجة التفاعل مع الفضاء العدمي، نتيجة حصر المبحوث عنه في الوجود ضمن الحدود الظاهرية، نتيجة انطلاق كل الرغبات والدوافع من مستوى ظاهري ، ومحيط عبثي جعل العالم مجالاً للظلمات والقسوة وجعل من الاتصال معه عيشاً في الجحيم، أصبحت النفوس تقاوم أجسادها ... كان لابد على سيزيف أن يحتال احتياله الأخير و"ينسى وجوده المادي" حتى ينسى معاناته التي لا معنى لها، فينسى جسمه وحركته.. وينسى صخرته ...
 
التعديل الأخير:
  • مذهل
التفاعلات: Dana
الاغتراب عن الواقع
Derealization


تسجيل الدخول أو تسجيل لمشاهدة الروابط



الاغتراب عن الواقع هو مصطلح طبي نفسي يُطلَق على حالة "فقدان التوازن الإدراكي بين الذات والوجود" والذي يتحول إلى "فقدان اتصال الوعي الذاتي مع المجال الظاهر للإدراك".

يبدأ الأمر كما لو أن "قسماً" من الذات يتم فقدانه أو يغيب أثناء تركيز الوعي على الوجود الموضوعي المحيط او على حدث معين، إن العقل لا يريد لسبب ما الاتصال مع هذا الموضوع (أو مع هذا الزمن)، ولذلك "يَنسحب" تاركاً السلطة للاشعور حتى يقوم بالاستحواذ على الكينونة أثناء هذا النوع من الاتصال.

قد ينسحب هذا الجزء من الذات مؤقتاً عندما يحضر الموضوع الذي تكرهه، ولكن إذا اقتنع العقل ب"تعميم" الحكم الخاص بالموضوع على العالم المادي بالكامل فسيسحب الوعي من الاتصال بالعالم المادي، وليس فقط فيما يخص الموضوع الذي يحاول العقل تجنبه.

في هذه الحالة سوف يعاني الوعي من مقاومة نفسية مستمرة لأي محاولة تواصل واعي عميق مع العالم المادي، وسيزداد الضغط الذي يحاول تشتيت انتباه الوعي إلى الحد الذي يسمح بتخليه عن الاتصال تماماً، وفي تلك الحالة، سيغادر الوعي العالم المادي والوجود الفعلي ويتحول إلى وجود نائم.

وهذا القسم النائم من الذات، يحمل "ذكريات ورغبات ومشاعر خاصة" لا يمكن الإحساس بها أو استدعاؤها من أقسام الذات الأخرى، وفي هذه الحالة ، الحقيقة الوحيدة الواضحة بالنسبة للمريض هي أنه يفتقد شيئاً جوهرياً، و"لا يحس بنفس المشاعر التي كان يشعر بها تجاه نفس الموضوعات" فهو غير قادر على "تذوق نكهة الشاي" بنفس الطريقة القديمة، أو غير قادر على "رؤية جمال الله" في ما كان يشرق على وعيه ذات يوم.

في الحالات القصوى يمكن أن تنسحب كامل أجزاء الوعي الذاتي من العلاقة مع العالم الخارجي وتدخل الكينونة في سبات أبدي، وهذا ما يسمى ب"العودة إلى الجنينية" في مصطلحات عبد الوهاب المسيري، فهو يقصد أن ما بعد الحداثة هي حالة انتقال جماعي إلى سبات أبدي، يتعرض لها جزء من الوعي أو كله .. وصولاً إلى فقدان المعاني نتيجة عدم القدرة على الوعي بها، ثم فقدان الحضور والتحكم بالمصير، وتفويض الوعي كافة سلطاته وحريته للغياب.


تسجيل الدخول أو تسجيل لمشاهدة الروابط




ما رأيك أن نلقي نظرة فاحصة عن كثب على الأعراض الأساسية للاغتراب عن الواقع ؟

اغتراب الذات عن الواقع يمنع الإحساس بالانطباعات المادية القادمة من "الخارج" في نفس الوقت الذي يدرك الوعي فيه انفصال وجوده الذاتي الواعي "الباطني" عن هذه الانطباعات التي "يشاهدها". يدرك الوعي واحداً من الجانبين (الذاتي والموضوعي) في كل مرة يحاول إدراك الزمن فيها، فإذا كان الوعي يتوجه نحو ذاته، والتي تعني "هويته الفردية" و"القوة الحيوية" التي تتدفق عبر كينونته، فإنه يتوقف عن التركيز على العالم الخارجي، ولا يمكنه الارتياح إلا بوجود أدنى مقدار من الصور والأصوات من حوله.

وإذا كان يتوجه نحو الانطباعات الحسية القادمة من العالم الخارجي فلا يمكنه الإحساس بذاتيته، مما يؤدي إلى تضاؤل قدرته على "وعي الانفصال" و"تكوين هوية متمايزة عن الواقع" في اللحظة التي يدرك الواقع فيها، وهذا بالطبع، سيعني أشياء كثيرة، فهذا الإحساس بالانفصال هو ما يسمح للكائن أن يمتلك مرجعيته الأخلاقية والمعرفية الخاصة، وبالتالي مصيره المستقل، ووجوده المستقل، ورغباته ومشاعره المستقلة، إنه يعني أيضاً القدرة على تحسس ما هو أكثر من الظاهر والمادي، والقدرة على الإحساس بالإرادة وتوجيهها، والقدرة على التحكم في الصحة والحيوية والنشاط، وبالنسبة للعارفين فهو يعني القدرة على التأثير الباراسيكولوجي على العقول، والتأثير الكهروحيوي على الزمن.

محو معالم مجال الانفصال بين الذات والوجود الموضوعي يمحو الفردانية والذاتية معاً، ويمحو أيضاً استقلال المصير وأي قدرة على العلاج النفسي أو على السعي الروحي أو أي ملكات تتجاوز الآخرين، ومن المستحيل على من يفتقد هذاالمجال أن يطمح إلى الوصول إلى الحقيقة المطلقة أو إلى معنى الحياة.

الاغتراب عن الواقع هو عدم قدرة الوعي على إيجاد "مساحة البَون" التي تصل وتفصل بين "الذات" و"الوجود الخارجي"، كما لو أن استيقاظ الذات أصبح مناهضاً لاتصالها بالعالم الخارجي وحضور العالم الخارجي أصبح مناهضاً لاستيقاظ الذات.

_ كل الناس تعاني (بدرجات متفاوتة) من الذوبان في الواقع، وهذا هو ما يجعل الإنسان تحت سلطة اللاشعور، ولكن الذي يعاني من "متلازمة الاغتراب عن الواقع" هو شخص ذاتي بطبيعته، لا يمكن لروحه التآلف مع طبيعة الناس التي لا تجد مشكلة في الذوبان في الواقع، وهذا الشخص الرافض للذوبان، سيقاومه... ونتيجة المقاومة هي "الاغتراب".

_ من أجل تقريب الصورة أكثر ، الوعي بحد ذاته ليس جزءً من العالم الخارجي، ولكنه على اتصال به، وحين ينسى الوعي أنه ليس الجسد - ليس العقل -ليس البيئة - ليس العلاقات - ليس الشخص ، فسيتماهى مع هذه الامور ويعتقد أنه هو الذي يتألم ويعاني وأن وجوده وبقاءه هو وجودها وبقاؤها ، والطريقة التي يتحرر فيها الوعي من هذا التماهي هي أن "يعي انفصاله" ولكنه لا يعي ذلك بسبب "مقاومة نفسية ما" لأي محاولة للتخلي عن "الارتباطات النفسية-الجسدية" والإحساس بالجوهر الحيوي الشاهد.

_ وهذه المقاومة النفسية لا يقوم بها الوعي، بل يفرضها العقل الذي يستخدمه الوعي للاتصال مع العالم، هذا العقل لاشعوري، وقد تعرض لاقتراح معين يقول له أن عليه البقاء على اتصال مع العالم الخارجي، أو أنه "جزء من العالم الخارجي" ولأنه لا شعوري فقد أخذ الموضوع بطريقة تنفيذ الحاسوب للأوامر.

_ في هكذا حالة فإن مقاومة حكم اللاشعور بالذوبان في الواقع لا تجدي نفعاً، لأن الوعي الذاتي سيعارض الكينونة بكامل مستوياتها، وهذا هو السبب في الإحساس الغامض بقوة ضاغطة على العيون والآذان تحاول "إبعادها" عن "الانطباعات الحسية" وتمريرها مباشرة نحو اللاشعور وتشتيت تركيز الوعي عليها.

_ الانطباعات والمؤثرات الخارجية تمارس "سُلطة نفسية إيجابية" على الوعي وتقوم بعزله عن ذاته، وموقفه، ورغبته، ورؤيته، بحيث أنه لا يستطيع أن يبصر "ما تعنيه الأشياء والوجود" بالنسبة له كوعي ذاتي، تملأ الانطباعات المادية تقريباً كامل حيز الوعي، الذي يبحث عن ذاته القديمة في هذا المجال الظاهري المادي دون جدوى، ولا يستطيع التواصل مع مجال يتجاوزه من الوجود.

_ الأفعال والسلوكيات في حالة الاغتراب عن الواقع لا تتجاوز حد المنعكسات الفيزيولوجية، لا يستطيع الوعي الذاتي أن يتفاعل إرادياً وكأن الصور والأصوات والأماكن والأزمنة تتباعد عن مجال وعي الذات بها ومجال تحكمها كذلك، وكأن هناك "مقاومة نفسية" لأي محاولة تواصل بين الذات وبين المحيط المادي الظاهر لها.

_ في طور الاغتراب ينسحب وعي الذات من الأحاسيس التي تعبر عن العالم المادي، بالتحديد من "المجال المادي المحايث" وهناك قوة ما تدفع الإدراك إلى "تشتيت الانتباه والتركيز" على المعطيات البيئية البسيطة مثل "اليد" و"الفنجان" وتجنب التركيز في تفاصيل الموجودات وإدراك حقيقتها أو مراقبتها بصمت ثابت.

إنه لا يتجنب الأحاسيس بحد ذاتها، إنه يتجنب "ما وراء الأحاسيس" وفهم حقيقتها وموقعها في الزمان والمكان، وتقييمها إدراكياً ووجودياً، بعبارة مختصرة إن الوعي يتجنب قسرياً "التأمل" في الواقع المادي، وبالتالي يبدأ بنسيان نكهة المحسوسات ومعانيها، وتتحول شيئاً فشيئاً إلى "رموز عائمة في دخان زمني غير مفهوم"...
 
التعديل الأخير:
  • رائـع
التفاعلات: Dana
الاغتراب الوجودي هو رسالة النظام العالمي
_ إما أن تكون ذاتك ، وإما أن تكون موجوداً ...

عبارة تلخص المعنى الذي يمثله "الجانب المظلم" من القاعدة الليبرالية الأساسية : تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين.

إذا كانت الحرية تحتاج إلى تعليل وهندسة قبل وجودها الفعلي، إذا كانت الحرية فعلاً يمارس ضمن "مبادئ عقلية تنظيمية" فهل هي حرية الذات ، أم حرية ضمن نسق محدد مسبقاً ؟

الحرية الواقعية من حيث الوجود هي التي تكون متصلة بالذات ونابعة من جوهر الوجود الذاتي وما يقتضيه حقاً من الحرية.

الحرية المعقولة هي حرية خارجية، لا تبدأ من الوجود الحقيقي.

الوجود الحقيقي كان وسيكون قبل تعقّل الإنسان له !!

إذا كان الحق لا يعتمد على تألّه الإنسان وكانت الحرية حقاً فلن يحددها الإنسان كذلك.

والقواعد العقلية هي ما يحدده الإنسان ...

وضع معيار يجب التسليم به مسبقاً من أجل شيء ما، يكافئ التغاضي عن مرحلة "التعليل الوجودي" للمعيار والفعل، كما لو أن الوجود لا يسمع ولا يرى ولا يتحدث، ويخلو من المعايير اللازمة للتقييم والتحديد والتنظيم.. مشكلة الحرية التي تنادي بها فلسفة الليبرالية تتأسس في "فعل الوضع" وليس في "ما يتم التواضع عليه".

قد يكون المضمون قيماً في المعنى، ولكن تقريره قسراً على الإدراك هو ما يؤدي إلى عدم تفاعل الذات الحقيقية معه وموافقتها عليه، وهكذا ينفصل الإنسان في قراره بين موقفين : موقف ذاته الحقيقية التي (لم تقتنع بعد) بما يتم تمريره إليها من اقتراحات قادمة من العالم الخارجي، وموقف وجوده الإنساني الذي يحتاج إلى التفاعل مع الآخرين، وبالتالي موافقتهم على ما يريدون دون التامل العميق في الموضوع.

وحين يوافق الإنسان على المعيار الخارجي، يوافق على الاغتراب عن ذاته الحقيقية ، وعلى اغتراب ذاته الحقيقية عن الوجود ... هذا هو الجانب المظلم من "العقد الاجتماعي".

إن المشكلة ليست في مضمون المبدأ نفسه، بل في "طريقة تعليل" المبدأ وفق معايير وضعية نفعية، تلك التي لا تراعي الحقيقة والوجود والذاتية، إن الليبرالية ليست أكثر من "كبت تدفق الإدراك الذاتي" من ناحية، وتحريره ليفرغ عن نفسه في ناحية أخرى، والجميع يعلم ما هي.

يجب على الذات الواعية الحية أن تدرك الصواب والخطأ والحق والباطل بالاعتماد على ذاتها ، دون وصاية خارجية على قرارها وإدراكها، وجود وصي غائب الحقيقة في مكان ما في الخارج على تفاعلات الذات وقراراتها ووعيها هو بداية كل اغتراب.

أهم نقطة في الاعتماد على النفس وعدم الاتكالية هي بالضبط تحمل عبئ تبني مرجعية تدركها الذات بمفردها، وتوافق عليها بمفردها موافقة روحية دون تفويض إلى الآخر ، مهما كان شكل هذا الآخر في معارف الذات، حتى ولو كان يبدو -وهو غير ذلك- إلهاً.

الأفعال مستقلة بقدر ما تنبع من الذاتية، لا يوجد اعتماد على النفس دون وعي النفس من الأصل، معظم محاولات الاستقلال عن المجتمع هي استجابات بايولوجية بدائية لتجنب الخطر ورغبة البقاء، إلى حين تتمكن الذات من إدراك مرجعيتها الخاصة النابعة من تفرد وجودها الجوهري - فوق الإنساني.

لو كان المبدأ نابعاً من الحقيقة، فالطريقة الصحيحة لتعيينه وتبنيه هي إدراك الحقيقة ثم استخلاص المبدأ منها، ولكن المبدأ المقرر كشيء أولي يسبق عملية الإدراك، سيكون له الأولوية على الحقيقة، والذات، والوجود.

النظام العالمي يحاول أن يقول، أن الاعتماد على الذات هو القدرة على الوجود في المجتمع بحرية وقوة، ولكن الحقيقة الوجودية هي أن استقلال الذات هو استقلال في الموقف والقرار، لا في الوجود الشخصي المادي، إذ أن الأخير يتبع الموقف والقرار ولا يؤسسه.

المسؤولية الوحيدة التي تحتاج الحرية إلى حملها هي "عدم نسيان الحرية" ...
 
التعديل الأخير:
  • أحببت
التفاعلات: Dana
لماذا يريد النظام العالمي دفع الناس إلى الاغتراب
لأن العالم المادي، إذا كنت تريد الحقيقة، يتكون من خلال "التآثر الحيوي" مهما بدا الأمر غريباً وغير واقعي، والسيطرة على الأرواح والنفوس أكثر قيمة من السيطرة على أي شيء آخر، مثل الأرض والثروات، لأن الأرض والثروة لا تحدد شكل الزمن على نحو أكيد ولا تعيد تكوينه من جديد، ولكن الأرواح تعيد تكوين الزمن وفقاً لرغباتها.

سببية الأرضية تشبه الخط المتصل فهي لا تأتي بما يخالف بدايتها أو يتجاوز حدودها، لا يمكن ان تطلب من الدبابة أن تطير مثلاً، لأن نظامها الميكانيكي لا يسمح بالطيران.

الأرواح يمكن أن تغير نظام الدبابة الميكانيكي ، الأرواح يمكن أن تجعل الدبابة تطير، أو تفكر ، أو حتى تنطق..

المادة يحكمها النظام..

الأرواح هي التي تحدد النظام...

هذا المبدأ هو ما يسمى في الراجا يوغا ب"البراناياما" : طاقة البرانا هي طاقة الوعي الخالصة، وهي التي تصنع كل شيء بما فيه قوانين الطبيعة، والسيطرة على الوعي مستحيلة لأنه مطلق ولا يحتاج إلى من يسيطر عليه، ولكن من الممكن السيطرة على "النفس والجسد" بالنسبة لوعي فرد معين، وحينها يمكن توجيه وعي هذا الفرد المسيطر عليه من خلالهما لما يرغب المسيطر تحقيقه.

مثلاً، الفكر الذي شاع في (سوريا) خلال الأشهر الستة الأخيرة في سنة 2024 هو "ثقافة البيئة الشامية" وعلى نحو مفرط في الانتماء، وهذه الثقافة تستخدم محرّكات دفع لاشعورية وهجومية مثل "العيب والعار" و"التقاليد" التي تدفع الناس إلى الاستجابة دون عناء التأمل الإدراكي العميق ... ثقافة البيئة الشامية لم تكن لها اليد الطولى، بل كانت موجودة كأحد العناصر الكثيرة جداً التي يتكون منها مجتمع سوريا، لكن في الفترة الأخيرة أصبحت طاغية أكثر من المعتاد بكثير، الجميع أصبح يثقل لسانه، الجميع أصبح يستخدم كلمات تقليدية مبتذلة مثل (الرجولة) و(الشوارب) و(استبينا) ومن هذه القصص، أصبح الجميع فجأة يتحدثون بهذه المصطلحات، حتى الذين لم يتحدثوا بها طوال حياتهم!

تم تعزيز هذا المناخ إيحائياً حتى أصبح السوريين مستعدين لقبوله، وأثمر في النهاية "سقوط النظام" الذي استعصى على السقوط عشرين سنة، ذلك أن الناس أصبحوا "مهيئين نفسياً" بما يكفي لتقبل النمط الجديد، بل أصبحوا يعيشونه واقعياً، وهو نمط إعادة العقل الجمعي إلى نقطة سابقة وساذجة.

منذ البداية كنت ضد ما فعله جنود حماس في نهاية 2023، كان يبدو وكأنه "انتصار عظيم" بالنسبة لجميع العرب، حينها كنت أرى ما لم يبصروه، ربما بحكم ممارسة التنويم المغناطيسي عملياً، اعتدت التفكير بهذه الطريقة : قامت كتائب حماس بإعطاء فرصة للحكومة الإسرائيلية لتعزيز فكرة "صمت العالم عن ضرب إسرائيل للفلسطينيين" وجعلها "مقبولة وطبيعية" من خلال التكرار الكثيف جداً لطلب الاستجداء من الآخرين والفكرة التي تقول "ما هذا العالم السيء الذي يسكت عن جرائم إسرائيل!"

أصبحت الحسابات المزيفة تكرر هاشتاغ #الأبطال المزيفين# تحت كل فيديو خاص بممثل أمريكي أو عربي مثل دور أكشن ذات يوم، وكأن وظيفة هذا الممثل أن يدخل في معارك عسكرية !! من أجل أشخاص لا يعرفهم ولا حتى متأكد من واقعية قضيتهم !!

حتى أن البعض كان يكتب تحت لقطات من أنيمي "باتمان" : بطل مزيف - الابطال الحقيقيون يوجدون في غزة ^_^

كان ذلك مضحكاً، ولكنه كان أيضاً يسمم العقول إيحائياً.

والناس بالطبع تتهاون في هكذا أمور لا تعرفها..

هل تعلم ما هو السم الذي تحتويه هذه الفكرة ؟

أنها تتجاهل، أن العالم سكت فعلياً عن جرائم إسرائيل لثلاثين سنة! إن لم نقل لسبعين سنة .. سكت حين كانت المقاومة لا تمتلك حتى القوة الكافية للرد أو إحداث فرق يذكر!

ما الذي سيجعل العالم الإنساني يخرج عن سكوته اليوم ! لا شيء ... على الأقل، لا شيء واقعياً.

النقطة الثانية هي أن العالم لا ينظر إلى القضية الفلسطينية بنفس طريقة نظر الفلسطينيين إليها .. العالم الخارجي لا يعترف كثيراً بقضية "التقاليد" و"التعاطف مع الشخص الضعيف دون التحري عن الموضوع لمجرد أنه ضعيف" كما أنه لا يستطيع فهم الموضوع بطريقة "هزتني صرخات الثكالى"

عدم احترام اختلاف الرؤية الكونية عند الآخر، لن يتسبب في الضغط على الآخر لتغيير رؤيته، ولكنه سيتسبب حتماً في عزل الآخر عن التفاعل مع الأول.

فلسطين بالنسبة للعالم هي ذلك المجهول، الذي يكون الجميع فيها ظالماً ومظلوماً، ولا يوجد سبب يدفع المراقب الخارجي إلى التعاطف مع (أحد الأطراف) على حساب بقية (الأطراف)..

إذن ما معنى تركيز الإعلام على هذه النقطة ؟

إنه يعني جعل العقول "تتقبل" الإيحاء الذي يقول : "العالم ساكت، وسيسكت عن أي ظلم يقع على فلسطين من جهة إسرائيل" مع أن واقع هذا الأمر هكذا بالتحديد.

الأقرب إلى الصواب، هي نجاح إسرائيل بالتأثير إيحائياً على العالم، لأنها تعرف كيف تفعلها.

أصبح الناس يعتقدون فعلاً أن الوضع كذلك! وهكذا سيتحقق الوضع واقعياً بهذا الشكل، مع أنه لم يكن كذلك في البداية، فما كان يتطلبه الأمر من أجل جعل العالم يكترث ، هو "التقارير الدقيقة" و"البيانات الكاملة والموثقة" التي يمكنها إقناع "العقل" وليس "موجة الاستعطاف المكثف" التي تمت ممارستها وجعلت العقل العالمي يلقي بقضيتهم إلى دهاليز اللاشعور البعيدة!

حين يتجاوز توصيف موضوع ما حد الواقعية الممكنة الدخول للعقل اللاشعوري وحين تتحول العاطفة إلى مسألة واجب مصطنع لا يستطيع الوعي أن يحس به، فإن وعي الآخر سوف ينسحب تلقائياً من الموضوع ويكف عن التعاطف، ويبدأ بالإحساس بأن تلك القضية تشكل عبئاً عابثاً لا داعي ليلقى عليه!

ذلك بأن العالم سكت مسبقاً عن مقتل 2 مليون عراقي في سنة 2003 ، وسكت عن مجازر وجرائم كثيرة ارتكبت في الدول المستضعفة، فهل سيكون من الممكن بالنسبة لهذا العالم أن يخرج الآن عن سكوته من أجل فلسطين، بينما المقاومة الفلسطينية هي التي بدأت بالهجوم هذه المرة ؟

الناس لا تراعي أن الإيحاء يؤثر على العقول، ويغير الواقع الملموس..

ولا يدركون أن مستقبل الواقع الملموس يصنعه العقل الباطن، أما الواقع الآن بحد ذاته فلا يمثل سببية متصلة نحو المستقبل، إلا بقدر بقاء رؤية العقل الباطن التي أسسته.

بل إن بعض الحسابات كانت تنشر رسمة "امرأة فلسطينية يخوفها جندي إسرائيلي بكلب" ويكتبون فوقها ما معناه : أين العرب !! أين العالم !! أين أصحاب الضمير !! وذلك قبل وقوع الحدث فعلياً..

وفي اليوم التالي يصبح الحدث واقعياً، بعد أن اقتنع العقل الجمعي عند الناس أن ظاهرة تخويف امرأة فلسطينية بكلب لا تجذب الانتباه!

أي أن الحادثة لم تقع قبل اعتقاد الناس أنها لا تجذب الانتباه، بل تمت زراعة المعتقد أولاً، عبر تمرير رسالة إيحائية تقول أن هذه الحادثة تقع ولا أحد يعترض بقوة عليها.

ثم تقع الحادثة فعلاً بعد مرور الرسالة الإيحائية للحسابات المجهولة إلى العقل الباطن، والناس يعتقدون أنها لن تتلقى تعاطف لأن هذا المعتقد تمت زراعته مسبقاً في عقولهم، مع أنه لم يحدث..

هكذا يمكن إدارة مصير العالم من خلال تنويمه إيحائياً قبل وقوع الحدث نفسه.

لاحظ أن تحت كل أغنية عربية سوف تجد 10-10000 تعليق يقول "صلي على النبي" ، "ما أجمل القرآن" ، ومن هذا القبيل.

هل تعلم من يقوم بذلك ، ما الغاية من ذلك ؟

من يقوم بذلك هو "العملاء" و"الذكاء الاصطناعي" التابع لهم.

الغاية من ذلك هي "تبليد المشاعر الدينية" بحيث تمر على اسم "الله" و"محمد" و"النبي" وكأنك تمر على أشياء لا معنى لها، بلا شك، مررت بتلك الحالة التي تقرأ فيها هذه التعليقات وتحاول "القفز مباشرة" إلى الاسفل وتجاوز التعليق الذي يحمل اسم "الله" و"محمد" ...

هل رأيت الآن كيف يتم تنويم الناس ؟

العقل الباطن عند الجماهير أصبح يحاول لاشعورياً "تجنب" الكلمات الدينية، لأنها ترتبط ب"شيء لا معنى له" و"التشتيت عن مصادر الجمال" مثل الموسيقى، وأصبح عقل الجماهير يرى أنها "نوع من السلطوية".

مرة بعد مرة، قفزة بعد قفزة، العقل الباطن يتبرمج على أن يتحاشى قراءة الكلمات الدينية أو التركيز عليها .. تصور كم الأمر خطير !!

تصور طريقتهم الفظيعة في تمرير الموضوع ؟

هكذا يحكمون العالم ...

والحقيقة التي يمكنها شفاء النفوس من سحرهم، وفي نفس الوقت لا يريد أحد الاعتراف بها هي أنه : كلما تزايد الارتباط بالعقل الجمعي، والتقاليد، والواجبات، كلما أصبح العقل الباطن يعتقد بسخافة الوجود ونفاق اللغة الروحية، وكلما ارتبط الدين بالسذاجة والبساطة كلما ابتعدت روح الإنسان عن "الرموز الروحية"، لأن الروح لا تفهم لغة الرموز ولا تهتم بما يعتقده الناس ويفعلونه، والرموز التي تبدو سلطوية وواجبية بالنسبة للروح تصبح مصدر "ضيق" و"اكتئاب" و"نفور"...

استخدام اسم الله بطريقة خاطئة له عواقب وخيمة على الروحانية.

يجب على من يدّعي أنه يؤمن بالله ورسوله، أن يتوقف في أسرع وقت ممكن عن التصريح كتابياً وشفوياً بالدعاء وتحويله إلى محض مجاز ونفاق لغوي وكأنه يوجهه للآخر.

أنت تدعو الله، لغيرك، لا داعي أن يسمع غيرك، لأن الذي تدعوه ليس هو ذلك الشخص الذي تسمعه دعاءك أو تقرؤه له.

"إذا كنت كنت ماهراً بتحليل شخصيات البشر وتوقع ردود فعلهم، فلا مجال للصدفة"

التحكم بالبراناياما هو بالأساس أمر روحي ، يتطلب نقاءً وصبراً وتقوى واتصالاً بالروح (الذات الحقيقية) وتحريراً لها من براثن اللاشعور.

ولكن لما قد يتعب شخص دنيوي نفسه بكل هذا إذا كان يستطيع تنويم وعي الجماهير وتوجيههم إيحائياً لما يريد ؟

هذا هو ما يجعل الأرواح (وبالتالي النفوس) أكثر قيمة من الأشياء الأرضية.

وهذا ما يدركه الماسونيون، والمسيطرون جيداً، لا يوجد في الأرض ما يساوي قيمة الروح، لأن الروح يمكن أن تخلق عالماً كاملاً من لا شيء.

أما الأرض فهي مجرد إنتاج مسبق لأرواح عبرت خلال الماضي...

الزمن يشبه الأرض في موضوع "توزيع الحصص" ، الزمن كالأرض، لا يمتلك كل شخص منه حصته على حدى بمعزل عن باقي الأرواح، ورغبات كائن معين ستؤثر على كامل نظام الزمن بقدر ما تتصل رغبته بالكون.

لذلك لا يوجد مجال لتحرير الزمن لكائن واحد دون تحريره لجميع الكائنات.

والرغبات والنوايا والمشاعر هي خيمياء الزمن ... الكينياء ... "الطاقة الحيوية الخالصة" .. ومصير العالم يتحدد من خلال الرغبات التي تنتصر، فإذا انتصرت الرغبة في "زمن لا خوف فيه" فذلك لن يتوقف على كائن واحد..

وهذا السبب الثاني الذي يجعل السيطرة على الأرواح (وبالتالي على العقول-الأنفس) أكثر قيمة من السيطرة على أي شيء آخر، إذ يبدو وكأن كل الكائنات تنبع من جوهر واحد، وهذا ما يجعلها تساهم بالتأثير على مصير بعضها البعض.

تقتضي مصلحة النظام العالمي الجديد أن يوجه كل الأرواح لدعم الأفكار التي يرغب بتجسديها عبر الزمن الواقعي، وجعل تلك الأرواح تتعاطف معها وتسقيها بماء المشاعر، وأن يعزل الروح التي لا تستجيب لمتطلباته عن التأثير على الزمن من خلال إسباتها.

وما هي أسرع وسيلة لتحقيق ذلك ؟

إنها دفع الناس نحو "الاغتراب" الذي يسمح بجعلهم غير قادرين على التواصل مع المستوى الروحي من الكينونة، أي أنهم بطريقة ما يعيشون في الواقع الذي يمثل النتائج المتحصلة عن رغبات وتفاعلات حيوية سابقة، هم أنفسهم لم يكونوا شركاء بتحديدها، ولكنها فرضت عليهم من الخارج، وبما أنهم لا يستطيعون الوصول إلى "مساحة البون" فهم غير قادرين على العودة إلى الداخل، وبما أنهم كذلك فهم تحت السيطرة.
 
التعديل الأخير:
كلما يقترب فكري من نقد أسس الماسونية والاغتراب، كلما يبتعد الناس عني وخصوصاً أولئك الذين يتظاهرون بأنهم حملة رايات النور.

غاية هذا الموقع مختلفة عن غايات السيد علاء الحلبي الذي يوصف ب"المؤسس".

كان السيد علاء الحلبي هو الشخص الذي أدخل "البحث العلمي في المؤامرة الكونية والنظريات الماسونية" إلى الوطن العربي، لكن ما أراه الآن هو أن فكر المؤثرين في هذا الموقع يختلف إسمياً فقط عن الفكر التالي :

تسجيل الدخول أو تسجيل لمشاهدة الروابط

 
أعلى أسفل