هناك عدد محدود للقراءات المسموح بها للزوار

[1] هو عدد القراءات المتبقية

حاسة التوجه عند الكائنات

حاسة التوجه عند الكائنات

إن سبب قيام بعض الكائنات بعملية التجمّد ( أو الموت الإرادي ) هو من أجل تجنب الظروف القاسية التي يستحيل العيش فيها ( كالشتاء القارص أو الجفاف القاتل أو زمن ندرة الطعام ) . لكن هناك أنواع أخرى من الكائنات ، وجدت حلول أخرى للهروب من هذه الظروف القاسية . و هي الهجرة !. و هذه العملية هي أكثر غموضاً و تمثّل معجزة أخرى لا يستطيع العلم تفسيرها !

فلم يستطيعوا مثلاً تفسير قدرة طائر الشحرور الصداح Blackpoll Warbler ، الذي يعيش في كندا ، على الطيران مسافة 6000 كلم ليصل إلى البرازيل ! و يعود إلى نفس المكان في العام التالي ! .


و طائر الزقزاق الذهبي Golden Plover ، يطير من أطراف المحيط المتجمّد الشمالي إلى الأرجنتين ، يقطع بذلك مسافة 12000 كلم ! و ذات المسافة في رحلة العودة في العام المقبل ! .

و طائر الحرشنة القطبي Arctic Tern الذي يقضي الصيف في المناطق المجاورة للقطب الشمالي ، و يقضي شتاءه في القطب الجنوبي ، يقطع بذلك مسافة 33000 كلم ذهاباً ، و ذات المسافة إياباً ، يقوم بهذه الرحلة كلَ عام ! .


ـ جميعنا سمعنا عن الحمام الزاجل . فإذا قمنا بتربية هذا الطائر في مكان معيّن ، ثم أخذناه بعيداً عن هذا المكان لمسافات تصل لألوف الكيلومترات، فإنّه يعود إلى نفس المكان و بمنتهى الدّقة! وضعه الباحثون في برميل يدور باستمرار ، و نقلوه بهذه الحالة إلى منطقة بعيدة جداً ، لكن ما أن أطلقوا سبيله حتى عاد إلى مركز الانطلاق الذي يبعد (3000 كلم ) عن موقع الإطلاق !.

ما الذي يجعله يهتدي إلى نفس المكان ؟ ما الذي يراه في الجوِّ ؟ ما هو المجال المغناطيسي الذي يتحرّك فيه ؟ ما هي الموجة الكهرومغناطيسيّة التي يهتدي بها أو يمشي على ترددها ؟ . أكّدت الأبحاث أنّ هذا الطائر يتحسّس التغيرات حينما ينحرف عن مساره لمسافة ( أربعة ميليمتر ) فقط ! . إنّه يطير كالصاروخ الموجّه ! . حاز هذا الطائر على شهرة واسعة عبر العصور ، حيث كان يستخدم لنقل الرسائل و البرقيات السريعة بين الملوك و قادة الجيوش و العشّاق و الرحّالة و التجار و غيرهم . فهذا ما جعله ذائع الصيت بشكل واسع .

لكن في الحقيقة ، إذا ألقينا نظرة إلى أبحاث علماء الطّبيعة ، نجد ما يفاجئنا بشكل كبير من المعجزات التي تحقّقها معظم الطّيور و الكائنات الأخرى في هذا المجال . فجميع الطيور المهاجرة تحقق المعجزات . تلك الطيور التي تحلّق على ارتفاع 5000 قدم أو أكثر أحياناً ، و تقوم بتغطية مسافات بعيدة عن التّصديق ، و غالباً ما يكون الطيران في الليل . و قد أجرى العلماء المئات من التجارب و الأبحاث التي تتناول هذه الظاهرة الغريبة . ففي إحدى هذه الأبحاث ، قاموا بتعليق صفائح تحمل أرقام مختلفة على ثمانية عشر طائر من طيور "القطرس" Albatross ، التي كانت تستوطن في جزيرة "ميدواي" في المحيط الهادي .


وضعوا هذه الطيور في طائرة و توجّهت بها إلى اليابان فوضعت قسم منها ، ثم توجهت إلى الفيليبين و وضعت قسم ، ثم توجّهت إلى جزر مريانا ثم جزر مارشال ثم جزر هاواي ثم ولاية واشنطن في الولايات المتحدة (جزيرة وايد باي) ، قاموا بتوزيع هذه الطيور على جميع تلك المناطق التي تفصل بينها آلاف الكيلومترات . و بعد إطلاقها من تلك المناطق ، عاد 14 طير إلى موطنه الأصلي في "ميدواي"! . فالطير الذي انطلق من ولاية واشنطن مثلاً ، قطع مسافة 3200 ميل ، أي بمعدّل 317 ميل يومياً ، على خط مستقيم ! . أما الطائر الذي أطلق من الفيليبين ، فقطع 4120 ميل في 32 يوم ، أي بمعدّل 130 ميل يومياً ! . و الأمر المذهل هو أن بعض هذه الطيور اضطرّت أن تطير وفق مسارات دائرية أحياناً ، كي تتفادى الرياح القوية ! لكنّها وصلت في النهاية إلى هدفها ! .

أما في عالم الأسماك ، نأخذ منها مثلاً سمك "التروتة" Trots أو "السلمون" Salmon . تبدأ هذه الأسماك رحلتها من موطن ولادتها في داخل مجاري الأنهار ، تسير لمسافة مئات الكيلومترات مع النهر ، حتى تصل إلى المصبّ ، فتنطلق إلى أعماق البحار و تنتشر باتجاهات مختلفة ، و قد تبتعد أحياناً لمسافات تتعدّى 6000كلم عن مصبّ النهر ! . و بعد سنتين أو أكثر ، تعود تلك الأسماك متوجّهة نحو مصب النهر ذاته ، ثم تبدأ رحلتها بعكس مجرى النهر ، حتى تصل إلى موطنها الأصلي لتضع بيضها ! .

و ما يدعو للدهشة ، هو أن هذه الأسماك تختلط في البحر مع أسماك أخرى من نفس النوع ، لكن تختلف مواطن ولادتها ، أي تأتي من أنهار مختلفة ، و قد تكون المسافة بين مصب هذه الأنهار لا تتعدى نصف كيلومتر . لكن عند عودة هذه الأسماك المختلطة إلى مواطنها ، كلّ سمكة تتعرّف على المصبّ الذي خرجت منه ! و لا تخطئ أبداً في توجّهها ! . هذا النوع من السمك هو أحد الكائنات التي أذهلت العقول بدقّتها في التوجّه و معرفة هدفها مهما بعدت المسافات ...!

أما السلحفاة البحرية Sea turtle ، فتتوجّه ، منذ لحظة خروجها من البيضة ، مباشرةً نحو البحر . و تقضي فترة طويلة في البحار ، تتجوّل بعيداً عن ذلك الشاطئ على مسافات تتعدّى 5000 كلم . ثم تعود بعد ثلاثين عام ! إلى نفس الشاطئ لتضع بيضها ! .


كل سنة ، تهاجر الحيتان من الجزر الاستوائية إلى الشواطئ القطبية التي تبعد آلاف الكيلومترات ! ثم تعود إلى نفس المكان الذي انطلقت منه ! و تسبح خلال رحلتها هذه في أعماق كبيرة جداً تجعل الرؤية مستحيلة !... السؤال هو :
" كيف تعرف الحيتان طريقها في هذا المجال المائي الواسع بالرغم من الظلام الذي يسود أعماق المحيطات مما يجعل الرؤية مستحيلة ؟ ".

أما الباحثون في عالم الزواحف ، فاكتشفوا بعد أبحاث عديدة ، أن هذه الظاهرة مألوفة بين معظم الزواحف !. فالأفعى مثلاً تستطيع العودة إلى جحرها بعد أن يتم نقلها إلى مكان يبعد عنه 40كم !. و قد تمتعت بهذه القدرة التماسيح و السحالي الأخرى !.

اكتشف علماء الطبيعة أن هذه الظاهرة شائعة عند الكائنات البرية ، كالغزلان مثلاً ! حيث لاحظ العاملون في المحميات الطبيعية ، منذ زمن بعيد ، أنه بعد القيام بنقل الغزلان التي ولدت ضمن حدود محمية معيّنة إلى مكان آخر قد يبعد عنها عدة مئات من الكيلومترات ، فإن بعض هذه الغزلان ، التي تتمكن من الهروب من المكان الجديد ، تظهر بعد عدة شهور بالقرب من سياج المحمية الأصلية التي ولدت فيها !. حصلت هذه الظاهرة في مناسبات مختلفة و محميات مختلفة حول العالم ! و لاحظوا من خلال دراسة مسيرة هذه الغزلان ، أنها تضطرّ أحياناً لعبور العديد من المزارع و الحقول و الأحراش و الغابات ، و حتى القرى و البلدات و المدن ، إلى أن تصل لهدفها المنشود ، و هي المنطقة التي أسرت فيها قبل عملية نقلها !.

و هذا ما لاحظوه عند الفيل الذي يستطيع أن يحدّد ، بدقة كبيرة ، جهة المكان الذي يقصده حتى لو كان يبعد عدة آلاف من الكيلومترات !. و بالإضافة إلى ذلك ، فإن للفيل قدرة غامضة على تحديد مكان المياه الدفينة تحت الأرض ! و يقوم في فترات الجفاف بحفر الأرض و استخراج المياه القريبة من سطح الأرض بعدة أمتار !.
كثيراً ما سمعنا روايات واقعية تشير على أن هذه القدرة موجودة عند الحيوانات الأليفة مثل الكلاب و القطط !. فيمكن لأسرة معيّنة أن تنتقل للسكن في مكان جديد أو حتى مدينة جديدة ، تاركين ورائهم حيوانهم الأليف . لكنهم يتفاجؤن بعد عدّة شهور برؤية هذا الحيوان قابعاً أمام باب منزلهم الجديد !. و القصص الأكثر غرابة هي تلك التي حصلت بعد انتقال الأسرة إلى مدينة أخرى قد تبعد مئات الكيلومترات عن منزلهم القديم !.

ـ الفراشات الملكية Monarch Butterfly ، تهاجر من الجهة الشرقية الشمالية من القارة الأميركيّة الشمالية ، و تقطع مسافة تقارب 3500 كلم متجهة إلى مناطق محدّدة محصورة في أوساط المكسيك ، بالرغم من أنها لم تزر تلك المناطق من قبل ! ، لكنها كانت مزاراً لأسلافها من الفراشات التي لم تتواصل معها من قبل ! . كيف علمت بجهة تلك المنطقة و كيفية التوجّه إليها ؟.


ـ "النملة" تنطلق من موطنها و تبدأ بمسيرتها الطويلة لاستكشاف مواقع جديدة للطعام ، و يمكن أن تبتعد عن موطنها لمسافة 300 متر ، و غالباً ما تكون مسيرتها عشوائية غير مستقيمة ، فتتوقّف فجأة ثم تذهب يميناً ثم تدور حول نفسها عدّة مرّات ، فتذهب شمالاً ثم جنوباً ، و تجتاز تضاريس وعرة صعوداً و هبوطاً . لكن بعد أن تكتشف موقع الطعام ، تتوجّه مباشرة نحو موطنها ، بدقّة البوصلة ! فتنطلق نحو موطنها سالكة خطاً مستقيماً ! . كيف حدّدت النملة جهة موطنها رغم كل ذلك اللّف و الدوران و الصعود و الهبوط و المسير العشوائي ؟.

ـ و كذلك "النحلة" ، فيمكن أن تبتعد عن خليتها مسافة (5 كلم ) و هناك أنواع تبتعد مسافة ( 20 كلم ) ، تجوب الحقول بحثاً عن طعامها ، بنفس المسيرة العشوائية التي ذكرناها ، لكن حين تجد موقع طعامها ، تتوجه إلى خليّتها سالكة خطّاً مستقيماً ! .
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو :
كيف تهتدي هذه الكائنات إلى أهدافها رغم تلك المسافات الشاسعة التي تفصلها عنها ؟!.

أما قدرة بعض الكائنات على اصطياد فرائسها ، فهي تمثّل لغزاً حقيقياً للعلم المنهجي ! .
و إذا بدأنا من عالم الطيور ، أوّل ما يتبادر إلى الذهن هو طيور مثل "عقاب النساري" و "السنقر" و "العقاب البحري" و "الباشق" و غيرها . تحلّق هذه الكائنات فوق الماء أو تجثم على صخور المرتفعات المحيطة بها ، ثم تتوجّه فجأة نحو الماء ، و تنحدر بشكل انسيابي ، و عندما تصل إلى نقطة معيّنة فوق الماء تقوم بضرب مخالبها إلى عمق المياه و تخرج بسمكة ! فتطير بها بعيداً ! .
يقوم العلم المنهجي بتفسير هذه العملية مستنداً على " قوة النظر " التي تتمتع بها هذه الطيور !


لكن هناك عوامل كثيرة تستبعد حقيقة الاعتماد على النظر في هذه العملية ! منها :

ـ يمكن أن تبلغ المسافة الفاصلة بين الطير و السمكة المستهدفة بين 100م و 200م على خط مستقيم !
ـ يكون حجم السمكة المستهدفة صغيراً بالمقارنة لحجم الطير (لسهولة افتراسها) ، مما يجعل رؤيتها من هذه المسافة صعباً حتى لو كانت موجودة فوق الماء !.
ـ لا يتوجّه الطير نحو الهدف ضمن خط مستقيم ، بل ينزلق نحوه بشكل انسيابي ، و قد يسير لمسافة معيّنة متوازياً مع سطح الماء !.
ـ السمكة هي دائماً في حالة حركة ، مما يجعل موقعها يتغيّر أثناء اقتراب الطير نحوها متوازياً مع سطح الماء ، و هذا يجعل رؤيتها مستحيلاً في موقعها الجديد !.
ـ مهما كانت درجة قوة النظر التي تتمتّع بها هذه الطيور ، فلا يمكن تجاوز قوانين فيزيائية ثابتة مثل حالة " انكسار الضوء " !. فالناظر إلى شيء تحت الماء لا يراه في مكانه الحقيقي !

أما الطيور الغطاسة مثل : " القرلّي " و " الرفراف " و " القاوند " و " المور " و غيرها . تتعلّق هذه الطيور على أغصان الأشجار القريبة من البحيرات و الأنهار ، و بعضها تقوم بالتحليق فوقها بارتفاعات عالية جداً ! و عند تحديد موقع السمكة في عمق المياه ، تسدّد ثم تغطس كالقذيفة ، فتخرج بعدها ماسكة بسمكة في منقارها ! .
و هناك طيور تقوم بملاحقة الأسماك تحت الماء و هي مغمضة العينين ! كطائر " الأطيش " و " البجع " . و يقوم العلم المنهجي بتفسير هذه العملية بالاعتماد على النّّظر ! لكنْ بالإضافة إلى قانون انكسار الضوء الذي يعيق عامل النظر ، نجد قانون آخر يجعل هذا العامل غير مجدي إطلاقاً ، و هو قانون " انعكاس الضوء " ! لأن بعض هذه الطيور تقوم بالغطس أثناء الليل ! و هذا يجعل درجة الإضاءة داخل المياه معدومة !

و لكي نستبعد عامل النظر تماماً من هذه العملية ، يمكننا أن نستشهد بطائر البوم الذي يستطيع تحديد موقع الفريسة في الظلام المطلق ! أي عندما تكون درجة الإضاءة "صفر" !.
و كذلك الحال مع الأفعى التي لا يشكّل الظّلام المطلق أي عائق لها أثناء ملاحقة فريستها !.( قام العلم المنهجي بتفسير هذه الظاهرة عند الأفاعي معتمداً على التحسس الحراري ) .

و لكي نلغي علاقة النّظر من هذه العملية ، أوّل ما يلفت انتباهنا هو الوطواط الأعمى ! .
ـ يستطيع الوطواط تحديد موقع فرائسه ( حشرات طائرة) ، و جهة توجّهها ، و المسافة التي تفصله عنها ، كل ذلك أثناء طيرانه ليلاً و في بيئة مليئة بالعقبات التي تمنع الطيران بحرّية كبيرة (كالكهوف و بين أغصان الأشجار) .
ـ أما وطواط المايكرو Micro Bat ، فيستطيع أن يلتقط 600 ناموسة خلال ساعة واحدة ! .
ـ الوطواط البنّي Brown Bat ، الذي يخضع لأبحاث مخبرية مركّزة ، لديه القدرة على معرفة معلومات مفصّلة عن حجم فرائسه ، و شكلها و نوعها ! ، و يستطيع التمييز بينها و لو كانت قريبة جداً من بعضها ! .

و يقوم المنهج العلمي السائد بتفسير هذه الظاهرة بالقول أنّ الوطواط يصدر ذبذبات ـ تحت صوتية ـ ترتدّ إليه بعد أن تصطدم بالفريسة ، فيعرف من خلالها كل المعلومات .(نفس مبدأ الرادار ) .
لكن العلماء لا يستطيعوا تفسير الكثير من الإنجازات التي يحقّقها الوطواط ، و لا يمكن لجهازه الراداري تحقيقها . فهم لا يعرفون كيف يستطيع الوطواط أن يميّز بين أنواع (العثّ) التي يفضّلها كطعام له ، و أنواع أخرى تتّخذ نفس الشكل و الحجم و غيرها من مواصفات ، لكن الفرق هو أنّ الوطواط لا يفضّلها .
و كذلك الحال مع الوطاويط التي تتغذّى على الضفادع . فحتى هذه اللحظة ، لا يستطيع الباحثون معرفة كيف يميّز هذا الوطواط بين الضفادع السّامة و الضفادع المناسبة للطّعام ، مع العلم أنّ كلا النوعين يتّخذ نفس الشكل و الحجم و حتى الصّوت ! .
يقوم العلم المنهجي بتفسير قدرة الوطواط على تحديد موقع أهدافه اعتماداً على ترددات الصّوت التي يطلقها ..

ـ أما "الخلد" الأعمى Mole ، فيستطيع تحديد موقع فريسته ( دودة أو حشرة أخرى ) تحت الأرض ، فيبدأ بحفر الأرض متوجّهاً نحوها مباشرةً ! . يمكن أن تبعد الفريسة لمسافة أمتار عن الخلد ، و مع ذلك يستطيع تحديد موقعها بدقة متناهية رغم ذلك الحاجز الترابي الصّعب !.

إذا كانت التفسيرات التي وضعها العلم خاطئة ، فكيف نفسر قدرة هذه الكائنات على تحديد أهدافها ؟!

قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال دعونا ننظر إلى الحقيقة التالية :

صقر العوسق Kestrel ، يطير من أوروبا كل شتاء مهاجراً إلى شمال أفريقيا ، ثم يعود في الربيع . لكنه في كلا الحالتين ، ذهاباً و إياباً ، لا يعود إلى ذات المنطقة التي انطلق منها . فهو يختار المنطقة التي تتكاثر فيها فئران الحقل ( طعامه المفضّل ) ، فيتوجّه نحوها مباشرة ! . ( مع العلم أنّ أعداد فئران الحقل تتفاوت بشكل عشوائي ، فيمكن أن تتكاثر في منطقة معيّنة و تقلّ أو حتى تختفي كليّاً في مناطق أخرى ، و يمكن أن يحصل العكس تماماً ) .

ـ سؤال :

" كيف يعرف صقر العوسق الموجود في أفريقيا الشمالية مكان تكاثر فئران الحقل
في أوروبا ، فيتوجّه نحوها مباشرة عند هجرته ؟ "
و كذلك الحال أثناء عودته إلى أفريقيا ؟!.

أما في الحياة البحريّة ، فقد وجد العلماء الكثير من المعجزات الخارجة عن مفهومهم العلمي التقليدي :

ـ لا يستطيع الباحثون مثلاً معرفة كيف يستطيع الحوت (السفّاح) KILLER WHALE تحديد موقع فريسته (كالفقمة) في تلك المياه المظلمة ، و على مسافات بعيدة جداً ، و ليس ذلك فحسب ، بل أثبتت الأبحاث أنها تستطيع تحديد حجم الأهداف ، و شكلها ، و سرعة تحرّكها ، و جهة تحرّكها ، و كثافتها ، و حتى تركيبتها الداخلية ! من مسافات بعيدة جداً ! .‍


ـ أما الدلفين ، هذا الكائن البحري الذي يمثّل معجزة حقيقية . فبالإضافة إلى قدرته على تحديد موقع الأشياء من مسافات تفوق التصوّر ، يستطيع أيضاً معرفة نوعية الهدف و حجمه و كثافته و تركيبته و مادته ، و يستطيع التمييز بين أشياء تكون درجة الاختلاف في حجمها و مساحة سطحها لا تتجاوز 10 بالمائة ( أي يصعب تمييزها بالنظر العادي ) ! ، أما المسافة القصوى لهذه القدرة على التمييز ، فليس لها حدود ! .
هذه الحقيقة جعلت خبراء السونار بحالة ذهول دائم ، فقد أسقطت فكرة تفسيرهم لقدرات هذه الأسماك معتمدين على مبدأ السونار . و جعل الدلفين يعتبر عنصراً أساسياً في تركيبة سلاح البحرية في الدول العظمى . فخدماته "الخارقة" لا يستغنى عنها أبداً ! .

هذه ليست سوى أمثلة قليلة على المعجزات التي تحققها معظم الحيوانات (و لا يمكن ذكرها جميعاً حيث يفوق تعدادها الملايين من الكائنات و الفصائل المختلفة !) . هذه القدرة على تحديد الهدف موجودة عند جميع الكائنات ، و حتى النباتات !
لا بدّ من أننا تساءلنا يوماً كيف تستطيع جذور النباتات تحديد موقع المياه فتتوجّه نحوه مباشرة ! مع أنّه ليس لديها عيون أو أدمغة أو غير ذلك من عوامل يعتبرها العلم أساسيّة من أجل هذا العمل !. و هناك أنواع من الأشجار التي تستطيع أن ترسل جذورها إلى مسافة تفوق 500 م ، و لا تخطئ أبداً في معرفة طريقها إلى الماء ! .



لكن ماذا عن الإنسان ؟

هل يختلف الإنسان عن تلك الكائنات بالرغم من مشاركته لها البيئة ذاتها و الطبيعة ذاتها و السماء ذاتها ..؟ هل الإنسان محرومٌ فعلاً من هذه القدرة الطبيعية المألوفة عند كل الحيوانات ، و حتى النباتات ؟.
إذا وجدت نفسك يوماً ، و لأسباب معيّنة ، في أرض قاحلة جرداء ، فتنظر حولك و ترى تضاريس متشابهة المعالم و عوامل أخرى تجعلك عاجزاً عن معرفة التوجّه الصحيح ، أو بعبارة أخرى : لا يوجد ما يساعدك في معرفة سبيلك معتمداً على حواسك التقليدية . هل تظن أنّك ستنجو من هذا الوضع الحرج ؟. هل تستطيع أن تجد الماء ، كما تفعل الكائنات الأخرى ؟ هل تستطيع أن تحدّد مكان وجود الطّعام في تلك الظّروف القاسية ؟!.
لقد مرّ بهذه الظروف الصعبة الكثير من الناس ، لكن معظمهم لم ينجُ منها ، مع أنهم لم يبعدو كثيراً من مواقع آهلة بالسّكان ، و مع ذلك ، كانوا يتّخذون اتجاهات خاطئة فيظلّون طريقهم و يضيعون ... و كذلك الأمر أثناء وجود الإنسان في الغابة . هل تظنّ أنّه سينجو من الظرف الذي شرحناه ؟ .. هل يستطيع التفريق بين النباتات السامّة و الغير سامّة كما تفعل الكائنات الأخرى؟ هل يستطيع أن يجد طريقه إلى الخلاص؟. كثيراً ما سمعنا عن أشخاص ظلّوا طريقهم في الغابات ، مع العلم أنّهم لم يبتعدوا عن مخيّماتهم سوى عدّة مئات من الأمتار ! .

نعود إلى السؤال : هل يملك الإنسان حاسّة التوجّه التي هي ظاهرة موجودة و بدت جليّاً عند كافة الحيوانات ؟ حتى النباتات ؟! ..
هل للإنسان قدرة غريزية في الحصول على معلومات فطرية تساعده على البقاء ، كمعرفة مكامن المياه و مكان وجود الطعام و الأخطار المحدقة به و غيرها من معلومات تعتبر أساسية لبقائه كما الكائنات الأخرى ؟.

الجواب هو " نعم " ! .
و السبب الذي جعله يبدو " غبيّاً " في الظّروف الصّعبة المشابهة لما ذكرناها سابقاً هو أنه أصبح "إنسانٌ داجن"! ،لا يستطيع العيش خارج حظيرته المدنية . لقد دجَّن الإنسان نفسه عبر العصور . دجَّنته الظروف المعيشية التي أوجدها هو بنفسه منذ آلاف السنين . و إذا أردنا أن ندخل في الأسباب ، و شرح القصة كاملة ، و بشكل تفصيلي ، سيتطلّب ذلك عدّة كتب و مجلّدات . لكننا سوف نستخلصها بتجربة صغيرة :

إذا وضعنا إحدى صغار الطيور لم يمرّ على ولادته بضعة دقائق ، في قفص صغير الحجم ، و تركته فيه مدة طويلة من الزمن (حتى يبلغ سن الطيران ) ، و تقوم خلال هذه الفترة بإطعامه و تقديم له كل مستلزماته الغريزية و غيرها من خدمات ، فلم يعْتَدْ بعدها على حقيقة أن الطعام قد يمثّل مشكلة كبيرة في الطبيعة و بين الكائنات جميعاً , و لماذا يأبه بذلك ؟ فهو يحصل على ما يريد ، و كل شيء يأتيه بسهولة كبيرة ، لماذا التفكير بها أساساً ؟ .
لكن عندما يُتِمُّ هذا الطيّر سن البلوغ ، ثم قمت بإخلاء سبيله ، هل تظنّ أنّه يستطيع الطيران ؟ هذا الطير الذي لم يرَ في حياته طيراً أخر يطير , و قد حُرِم من الأم التي تساعده على زرع الإيمان في داخله بأنّه يستطيع الطيران ، فتدفعه عنوةً من مناطق عالية عدّة مرّات حتى يدرك بأنَّه خُلِقَ لهذا العمل ، حتى أن يأتي الوقت الذي يستطيع فيه التحليق عالياً في السماء ، و الانتقال من بلاد إلى بلاد ، و غير ذلك من معجزات أخرى تحققها الطيور . هذا الطير المسكين ، الذي اعتاد على العيش في القفص ، سوف يحرم من الطيران ، ولو أطلقت سبيله ، على الأقلّ لفترة طويلة من الزمن ، أو ربما للأبد ! .

أما الإنسان ، فقد وضع نفسه في هذا القفص منذ عشرات الألوف من السنين ! ، عاشت بهذا القفص المئات من الأجيال المتتالية . هذا القفص الذي حدّ من قدراته الطبيعية ، تلك القدرات التي نسمّيها اليوم خارقة للطبيعة ، لأنّنا لم نألف هذه القدرات ، فأصبحت بالنسبة لنا غير طبيعية . لكن لحسن حظ البشرية ، لا زالت تظهر عند بعض الأشخاص ، من حين لآخر ، قدرات هائلة تثبت أنّ الكائنَ البشريّ هو مخلوق أكثر بكثير من ما عرفناه عنه . أما قدرة الإنسان الفطرية على التوجه و تحديد مكان الأهداف ( كما الكائنات الأخرى ) ، فسوف نبحثها في الموضوع التالي .
 

أداب الحوار

المرجو إتباع أداب الحوار وعدم الإنجرار خلف المشاحنات، بحال كانت هناك مضايقة إستخدم زر الإبلاغ وسنحقق بالأمر ونتخذ الإجراء المناسب، يمكنك الإطلاع على قوانين الموقع من خلال موضوع [ قوانين وسياسة الموقع ] وتعريف الموقع من خلال موضوع [ ماهو سايكوجين ]

الذين يشاهدون هذا الموضوع الان (الأعضاء: 0 | الزوار: 1)

أعلى